على مذهبنا ذلك يصح معه أيضا قول تلميذه ابن جني، وهو أن أكثر لغة العرب مجازات، وأنه لا اختلاف بين هذين الإمامين، ولا تناقض بين القولين، ولا أظنك تحتاج إلى مزيد بيان إن كنت أتقنت ما أسلفنا فهما وأحطت به علما.
بل يحق لك العجب من قوم تعجبوا من الأسفرائيني، وحاولوا تأويل كلامه بما لا يرضى به كما في إشارات الأصول (1)، ومن ابن الدهان حيث قال بعد ما نقل عن أبي علي هذا القول، ما حاصله: «إن العجب كل العجب من هذا الإمام كيف أذهب بهاء لغة العرب ورونقها لأنهما قائمان بالمجاز، وشتان بين قوله وقول تلميذه ابن جني» انتهى.
وكان الأجدر به أن يتعجب من نفسه حيث ترك تعاطي صنعة أبيه، وكانت هي اللائقة به، وتكلف العلم ورأس ماله هذا الفهم، وكيف يرضى المنصف بأن يكون ابن من يبيع الدهن اهتدى إلى الواضح البديهي، وهو أن العرب تدعو الخد بالورد وتعبر بالغصن عن القد، وخفي ذلك على مثل هذا الأستاذ؟ ولقد وقعت فيما وقع فيه الشيخ أبو علي، وذلك أني لما ألقيت هذا المذهب على جماعة من الطلبة كانوا يقرؤن علي كتاب الفصول في النجف الأشرف سنة (1316) لم يلبث حتى اشتهر ذلك مني في أندية العلم ومجالس البحث فتلقته الأذهان بالحكم بالفساد، وتناولته الألسن بالاستبعاد.
وعهدي بصاحبي الصفي وصديقي الوفي وحيد عصره في دقة الفهم واستقامة السليقة وحسن الطريقة العالم الكامل الرباني الشيخ عبد الله الجرفادقاني (2) - رحم الله شبابه، وأجزل ثوابه - سمع بعض الكلام علي فأدركته شفقة الأخوة، وأخذته عصبية الصداقة، فأتى داري بعد هزيع (3) من الليل وكنت