البرهان، فقلت: إن أقصى مدارج العلم أن تنتهي مسائله إلى الوجدان، فإذا سلمته وعجزت عن الجواب - ولا أعجز إن شاء الله - فليس البرهان إلا شبهة في مقابلة البداهة، فسكت رحمه الله ولم ينبس ببنت شفة، واشتهر بين أهل النظر أمر هذه المناظرة.
(الحكومة بين الفريقين) وإني أرى أن كلا من الفريقين قد أصاب شاكلة الصواب في دعوى الوجدان، وفي حصول الغرض، وعدم حصوله، إذ الغرض غرضان، غرض في كل مقدمة مقدمة، وهذا لا شك في حصوله بمجرد إتيانها من غير توقف على غيرها، ويدل عليه جميع ما عرفت في تقريبه.
وغرض يتعلق بمجموع المقدمات، والغرض الأول تابع للثاني، كما أن الثاني تابع للغرض الأصلي الذي هو الواجب الأصلي فيتعلق الغرض أولا بالواجب الأصلي، فيدعو إلى الإتيان بجميع المقدمات، لأن الواجب لا يحصل إلا به.
والغرض الثاني يدعو إلى إتيان كل مقدمة مقدمة لأن المجموع لا يحصل إلا بها، فيريد كلا منها، ليحصل الإمكان من ناحيتها، ويريد المجموع ليحصل به الوجود.
وإن شئت قلت: الغرض من المقدمة الواحدة وجود الكل ومن وجود الكل وجود الواجب الأصلي، فالغرض غرضان غرض في كل مقدمة مقدمة أعني الإمكان من جهتها وحدها، وهو يحصل بإتيانها كما ادعاه منكر الموصلة، وغرض في الكل وهو الوجود، فيجتمع الغرضان معا مع وجود ذي المقدمة وينتفي الأول إذا انتفى الثاني، ولا يبقي غرض فيها مع الانفراد.