تحقق الإرادة من الرجل لتحقق الصلاح فيها مع عدمه في متعلقها، ولكن هذا لا يلائم ما سلف - في مبحث الإرادة - من أنها العلم بالصلاح في متعلق الإرادة، والجواب عنه على ذلك المبنى لا يخلو عن صعوبة.
(ما تدل عليه الهيئة) صيغة افعل تدل بمادتها على الطبيعة المجردة عن جميع الاعتبارات حتى الوجود والعدم، وبهيئاتها على الطلب، ومفاد الأمرين معا هو تعلق الطلب بتلك الطبيعة اللا بشرط، وحيث لا يمكن أن تكون ذلك متعلقة للإرادة عقلا يجب اعتبار وجود ما زائدا على ما يقتضيه وضع المادة والهيئة. والوجود يمكن اعتباره على أنحاء:
أحدها: الوجود الساري في جميع الأفراد نظير أحل الله البيع (1).
ثانيها: الوجود المقيد بقيد ما، كالمرة والتكرار، والفور والتراخي، ونحو ذلك.
ثالثها: صرف الوجود في مقابلة العدم الأزلي من دون لحاظ أمر آخر معه، وكان السيد الأستاذ يعبر عن هذا النحو من الوجود تارة بانتقاض العدم الأزلي، وتارة بطرد العدم، وحيث لا يوجد دليل على تعيين أحد هذه الأقسام يجب حمل الأمر على هذا النحو الثالث لأنه المتيقن، وغيره يشتمل على زيادة مدفوعة بالأصل.
وبهذا يظهر لك أن الفور والمرة ونحوهما مما توهم دلالة الأمر عليه، جميعه خارج عن مفاد الصيغة، فلا يصار إلى أحدها إلا بدليل، وبعد وروده لا ينافيها لا مادة ولا هيئة.