إلى غير ذلك من الموارد التي تنيف على الألوف بل على آلافها مما إذا أطاعهم التكلف في واحد منها عصاهم في عشرة، وإذا فتح لهم باب التأويل في عشرة أرتج عليهم الباب في الف، وقد سبقت أمثلة لذلك، منها:
تبدت ومرآة السماء صقيلة * فأثر فيها وجهها صورة البدر وإذا كان الشاعر يصح له إنكار البدر، ودعوى أن البازغ في السماء هو صورة محبوبته، فما ذا يمنعه من دعوى أن ذلك البدر هي بعينها، فينفي التعجب إذا زارته ليلا قائلا: ولا عجب فالبدر بالليل يطلع، ويتعجب إذا رأته نهارا قائلا:
ومن عجب أن يطلع البدر نهارا.
فكأن القوم قصرت أنظارهم على مثل: أسد يرمي. ونحوه، وغفلوا عن هذه الأمثلة وأمثالها (1).
(فصل) ولعلك تقول: إن المجاز - على ما ذكرت - كذب، وتغفل من الفرق بين الإرادة الجدية والاستعمالية.
وبيانه: أن الكذب الذي هو قبيح عقلا، ومحظور شرعا هو الذي يكون الغرض منه إلقاء السامع في خلاف الواقع، وإغراءه بالجهل، وتصديقه بمعنى اللفظ، وتكون إرادته الجدية الواقعية مطابقة لإرادته الاستعمالية.
وأما في المجاز فليس الغرض من إلقاء المعنى إلى السامع إلا مجرد تصوره له من غير أن يريد تصديقه واعتقاده به، ولهذا يأتي بالقرينة التي سموها ب