بها، وأفضل الطريقين أولهما، ولكن قد ضعفت الهمم، وقلت حملة هذه اللغة التي شرف الله قدرها، وأناط الدنيا والدين بمعرفتها، وجعلها لسانه الذي كلم بها خلقه، فالمتعين لغالب الناس الرجوع إلى أئمة الفن الثقات الإثبات، فإنهم أهل الخبرة به، فقولهم حجة.
(حجية قول علماء الأدب، والجواب عن المناقشة فيها) أما حجية قول أهل الخبرة في جميع العلوم والصنائع وغيرهما فأمر مجبول عليه فطرة الإنسان، وجرى عليه العقلاء كافة في جميع البلدان والأزمان، فلا ترى فيهم من يتوقف في ذلك، ولا منهم إلا من يحتج به فيما له، ويذعن لخصمه فيما عليه.
وهذه الفطرة السليمة هي السبب فيما نقله - طاب ثراه - في الرسالة من اتفاق العلماء، بل جميع العقلاء على الرجوع إليهم في استعلام اللغات، والاستشهاد بأقوالهم في مقام الاحتجاج، ولم ينكر ذلك أحد على أحد (1)، إلى آخره.
إذ من البعيد أن يكون هذا الإجماع مستندا إلى نص شرعي أو حكم تعبدي، وهب تكلف ادعاءه متكلف في اتفاق العلماء، فأين منه كافة العقلاء؟ ولا شك أنه لا خصوصية لأهل صناعة اللغة، بل هم كسائر أصحاب الصناعات الذين قال عنهم الفاضل السبزواري فيما حكاه من قوله:
«صحة المراجعة إلى أصحاب الصناعات، البارزين في صنعتهم، البارعين في فنهم، مما اتفق عليه العقلاء في كل عصر وزمان» (2).