بالواقع هو الظن بالواقع، فتكون حجية الأدلة عند القائل به منوطة بالظن بالواقع، بل لا تكون الحجة عنده - إذن - إلا نفس الظن، فمع عدم حصول الظن لمانع يمنع منه لا تنهض حجة وإن لم يكن المانع المفروض حجة، إذ منعه من حصول الظن إنما يتبع الوجدان دون الحجية، وقضية عدم الحجية عدم الاتكال على الظن المانع، ولا ربط له بالمنع من حصول الظن منه.
ويحتمل أن يراد به حجية ما يفيد الظن في نفسه سواء حصل به الظن بالحكم فعلا لانتفاء مانع يمنع من حصوله، أو لم يحصل لحصول مانع منه، والأول هو الذي يقتضيه ظاهر كلماتهم، وتعطيه أدلتهم.
وأما الثاني، فلا يفي به ما قرروه من الأدلة، كما ستعرف إن شاء الله.
ويمكن أن يقال بحجية الظن مطلقا، سواء تعلق بالواقع أو بالطريق الموصل إلى حكم الشارع، فلو قام دليل ظني على حجية أمر خاص، كظاهر الكتاب، قام حجة ولو لم يحصل منه الظن بالواقع لمانع منه، وكان الأظهر - بناء على القول المذكور - ذلك، فإنه إذا قام الظن مقام العلم قضى بحجية الظن المتعلق بالطريق أيضا، فإنه أيضا من جملة الأحكام الشرعية» (1) انتهى المقصود نقله من كلامه.
وإني وأيم الحق لا أدري ما الذي ينقم منه الناقمون، وبم يعترض عليه المعترضون، أليس قد بين الاحتمالات الثلاثة، أعني التعميم، والتخصيص بأحد الأمرين من الواقع والطريق، وبين لكل ما يمكن أن يستدل به، أو يورد عليه بما لم يسبقه سابق، ولا يلحق شأوه (2) لا حق؟ ألم يصرح بعد ارتضائه ما عزوه إليه من تخصيص الحجية بالظن الطريقي؟ ألم يستظهر التعميم الذي اختاره المعترضون عليه؟.