وأما صاحب الفصول، فإنه وإن جعل الظن بالطريق نتيجة دليل الانسداد، ولكنه قرره بغير التقرير المعروف، وأخذ فيه ما لازمه التخصيص بالطريق، وصرح بعموم النتيجة، بناء على التقرير المعروف، ودونك شطرا من كلامه يتضح به ما قلناه، قال في أثناء تعداده الأدلة الدالة على حجية الخبر الواحد ما لفظه:
«الثامن: الدليل المعروف بدليل الانسداد، ويمكن تقريره بوجهين:
أولهما، وهو المعتمد، وإن لم يسبقني إليه أحد» (1) وأخذ في تقريره مقدمات أخرجه بها عن حريم الظن المطلق إلى حمى خصوص الخبر ونحوه، كما سيأتي إن شاء الله.
وبالجملة، فهذان الإمامان لم يستندا قط إلى هذه المقدمات، بل استدلا بدليل غير دليل الانسداد المعروف على مدعي غير الظن المطلق، وتعرضا بعد ذلك له على التقرير المعروف عند نقل دليل القائلين بمطلق الظن، وأجادا كل الإجادة في بيانه ثم في رده، فراجع.
فإذن، ما الوجه في قول الشيخ في كلامه المتقدم نقله: «زعما منهم عدم نهوض المقدمات المذكورة لإثبات الظن في نفس الأحكام الفرعية» (2)؟ وما ذا الوجه في عدهما مخالفين لنتيجة دليل الانسداد؟.
وظاهر أن صناعة العلم لا يجوز مثل هذا التعبير إلا في مقام يتحد فيه المدعى والدليل، كما لو استدل كل من المتشرع والفيلسوف بتغيير العالم على حدوثه، فيقال: إنهما مختلفان في النتيجة، إذ هي عند أحدهما زماني، وعند الآخر ذاتي، وأما مع الاختلاف في المدعى والدليل فحاشا ثم حاشا.