وما نقله عن أكثر العلماء فهو - قدس سره - أعرف بما قال، ونحن نراهم يعتمدون في معرفة أحوال الرجال على علي بن فضال الفطحي، والحافظ ابن عقدة الجارودي، ولا فسق أعظم من فساد الاعتقاد، بل الماهر في الفن ربما قدم قولهما على مثل الشيخ وابن الغضائري وهما من تعلم.
وأما اعتبار التعدد والعدالة في مسألة التقويم فإن صح اتفاقهم عليه فلا بد أن يكون اعتمادهم فيها على أنها من باب الشهادة، ويظهر ذلك من مراجعة كلام بعضهم، فإن كانت من ذلك الباب فالشهادة أمر قد تصرف فيه الشارع بتصرفات شتى مختلفة باختلاف الموارد، وأين ذلك من هذا المقام الذي يقطع بعدم تصرف من الشارع فيه إلا الإمضاء؟ وأطرف ما في هذا الباب منع كون أهل اللغة أهل الخبرة بها، ويقال لهذا المانع: هل هذه الصنعة ابتليت من بين سائر الصنائع بفقد أهل الخبرة بها، أو أن أهلها غير أهلها؟ فإن كان الأول اتجه السؤال عن الذنب التي أذنبت فعوقبت بين أخواتها وأضرابها بهذه العقوبة.
وإن كان الثاني ففي المحال الذي ينطوي عليه هذا الكلام غنى عن تكلف الجواب.
ولو جوز هذا المانع الرجوع إلى الصائغ في الصياغة، وإلى الحائك في الصباغة رجعنا فيها إلى من شاء واقترح، وكيف يعد الرازي والقرشي من أهل صناعة الطب، ولا يعد الخليل وأبو عمرو (1) بن العلاء من أهل صناعة اللغة؟ ثم إن أئمة هذا الفن هم الأئمة المقتدى بهم في علمي النحو والصرف