ومما ذكرنا يظهر فساد توهم: أنه إذا عملنا بدليل حجية الأمارة فيهما وقلنا بأن الخبرين معتبران سندا، فيصيران كمقطوعي الصدور، ولا إشكال ولا خلاف في أنه إذا وقع التعارض بين ظاهري مقطوعي الصدور - كآيتين أو متواترين - وجب تأويلهما والعمل بخلاف ظاهرهما، فيكون القطع بصدورهما عن المعصوم (عليه السلام) قرينة صارفة لتأويل كل من الظاهرين.
وتوضيح الفرق وفساد القياس: أن وجوب التعبد بالظواهر لا يزاحم القطع بالصدور، بل القطع بالصدور قرينة على إرادة خلاف الظاهر، وفيما نحن فيه يكون وجوب التعبد بالظاهر مزاحما لوجوب التعبد بالسند.
وبعبارة أخرى: العمل بمقتضى أدلة اعتبار السند والظاهر - بمعنى:
الحكم بصدورهما وإرادة ظاهرهما - غير ممكن، والممكن من هذه الأمور الأربعة اثنان لا غير: إما الأخذ بالسندين، وإما الأخذ بظاهر وسند من أحدهما، فالسند الواحد منهما متيقن (1) الأخذ به.
وطرح أحد الظاهرين - وهو ظاهر الآخر الغير المتيقن الأخذ بسنده - ليس مخالفا للأصل، لأن المخالف للأصل ارتكاب التأويل في الكلام بعد الفراغ عن التعبد بصدوره.
فيدور الأمر بين مخالفة أحد أصلين: إما مخالفة دليل التعبد بالصدور في غير المتيقن التعبد، وإما مخالفة الظاهر في متيقن التعبد، وأحدهما ليس حاكما على الآخر، لأن الشك فيهما مسبب عن ثالث، فيتعارضان.