ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شئ قدير. لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) اعلم أن هذا هو النوع الثالث من الدلائل على الوحدانية وذلك لأنه لما استدل أولا بأحوال السماء والأرض وثانيا بالآثار العلوية استدل ثالثا بأحوال الحيوانات، واعلم أن على هذه الآية سؤالات:
السؤال الأول: لم قال الله تعالى: * (والله خلق كل دابة من ماء) * مع أن كثيرا من الحيوانات غير مخلوقة من الماء؟ أما الملائكة فهم أعظم الحيوانات عددا وهم مخلوقون من النور، وأما الجن فهم مخلوقون من النار، وخلق الله آدم من التراب لقوله: * (خلقه من تراب) * (آل عمران: 59) وخلق عيسى من الريح لقوله: * (فنفخنا فيه من روحنا) * (التحريم: 12) وأيضا نرى أن كثيرا من الحيوانات متولد لا عن النطفة والجواب من وجوه: أحدها: وهو الأحسن ما قاله القفال وهو أن قوله: * (من ماء) * صلة كل دابة وليس هو من صلة خلق، والمعنى أن كل دابة متولدة من الماء فهي مخلوقة لله تعالى وثانيها: أن أصل جميع المخلوقات الماء على ما يروى " أول ما خلق الله تعالى جوهرة فنظر إليها بعين الهيبة فصارت ماء ثم من ذلك الماء خلق النار والهواء والنور "، ولما كان المقصود من هذه الآية بيان أصل الخلقة وكان الأصل الأول هو الماء لا جرم ذكره على هذا الوجه وثالثها: أن المراد من الدابة التي تدب على وجه الأرض ومسكنهم هناك فيخرج عنه الملائكة والجن، ولما كان الغالب جدا من هذه الحيوانات كونهم مخلوقين من الماء، إما لأنها متولدة من النطفة، وإما لأنها لا تعيش إلا بالماء لا جرم أطلق لفظ الكل تنزيلا للغالب منزلة الكل. السؤال الثاني: لم نكر الماء في قوله: * (من ماء) * وجاء معرفا في قوله: * (وجعلنا من الماء كل شيء حي) * (الأنبياء: 30) والجواب: إنما جاء ههنا منكرا لأن المعنى أنه خلق كل دابة من نوع من الماء يختص بتلك الدابة، وإنما جاء معرفا في قوله: * (وجعلنا من الماء كل شيء حي) * لأن المقصود هناك كونهم مخلوقين من هذا الجنس، وههنا بيان أن ذلك الجنس ينقسم إلى أنواع كثيرة.
السؤال الثالث: قوله: * (فمنهم) * ضمير العقلاء وكذلك قوله: * (من) * فلم استعمله في غير العقلاء؟ والجواب: أنه تعالى ذكر ما لا يعقل مع من يعقل وهم الملائكة والإنس والجن فغلب