وأما قوله تعالى: * (لعلكم تصطلون) * فالمعنى لكي تصطلون وذلك يدل على حاجة بهم إلى الاصطلاء وحينئذ لا يكون ذلك إلا في حال برد.
أما قوله تعالى: * (نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين) * ففيه أبحاث:
البحث الأول: * (أن) * أن هي المفسرة لأن النداء فيه معنى القول، والمعنى قيل له بورك.
البحث الثاني: اختلفوا فيمن في النار على وجوه: أحدها: * (أن بورك) * بمعنى تبارك والنار بمعنى النور والمعنى تبارك من في النور، وذلك هو الله سبحانه * (ومن حولها) * يعني الملائكة وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وإن كنا نقطع بأن هذه الرواية موضوعة مختلفة وثانيها: * (من في النار) * هو نور الله، * (ومن حولها) * الملائكة، وهو مروي عن قتادة والزجاج وثالثها: أن الله تعالى ناداه بكلام سمعه من الشجرة في البقعة المباركة فكانت الشجرة محلا للكلام، والله هو المكلم له بأن فعله فيه دون الشجرة. ثم إن الشجرة كانت في النار ومن حولها ملائكة فلذلك قال: * (بورك من في النار ومن حولها) * وهو قول الجبائي ورابعها : * (من في النار) * هو موسى عليه السلام لقربه منها * (من حولها) * يعني الملائكة، وهذا أقرب لأن القريب من الشيء قد يقال إنه فيه وخامسها: قول صاحب " الكشاف ": * (بورك من في النار) * أي من في مكان النار ومن حول مكانها هي البقعة التي حصلت فيها وهي البقعة المباركة المذكورة في قوله تعالى: * (من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة) * (القصص: 30) ويدل عليه قراءة أبي (تباركت الأرض ومن حولها) وعنه أيضا (بوركت النار).
البحث الثالث: السبب الذي لأجله بوركت البقعة، وبورك من فيها وحواليها حدوث هذا الأمر العظيم فيها وهو تكليم الله موسى عليه السلام وجعله رسولا وإظهار المعجزات عليه ولهذا جعل الله أرض الشام موسومة بالبركات في قوله: * (ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين) * (الأنبياء: 71) وحقت أن تكون كذلك فهي مبعث الأنبياء صلوات الله عليهم، ومهبط الوحي وكفاتهم أحياء وأمواتا.
البحث الرابع: أنه سبحانه جعل هذا القول مقدمة لمناجاة موسى عليه السلام فقوله: * (بورك من في النار ومن حولها) * يدل على أنه قد قضى أمر عظيم تنتشر البركة منه في أرض الشام كلها. وقوله: * (وسبحان الله رب العالمين) * فيه فائدتان: إحداهما: أنه سبحانه نزه نفسه عما لا يليق به في ذاته وحكمته ليكون ذلك مقدمة في صحة رسالة موسى عليه السلام الثانية: أن يكون ذلك إيذانا بأن ذلك الأمر مريده ومكونه رب العالمين تنبيها على أن الكائن من جلائل الأمور وعظائم الوقائع.
أما قوله: * (إنه أنا الله العزيز الحكيم) * فقال صاحب " الكشاف " الهاء في (إنه) يجوز أن يكون ضمير الشأن و * (أنا الله) * مبتدأ وخبر، و * (العزيز الحكيم) * صفتان للخبر، وأن يكون راجعا إلى ما دل عليه ما قبله يعني أن مكلمك أنا والله بيان لأنا والعزيز الحكيم صفتان (للتعيين) وهذا تمهيد لما أراد أن يظهره على يده من المعجزة يريد أنا القوي القادر على ما يبعد من الأوهام كقلب العصا حية، الفاعل (كل) ما أفعله بحكمة وتدبير. فإن قيل هذا النداء يجوز أن يكون من عند غير الله تعالى، فكيف علم موسى