قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم * ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم * فعقروها فأصبحوا نادمين * فأخذهم العذاب إن فى ذلك لأية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم) *.
اعلم أن صالحا عليه السلام خاطب قومه بأمور: أحدها: قوله: * (أتتركون فيما ههنا آمنين) * أي أتظنون أنكم تتركون في دياركم آمنين وتطمعون في ذلك وأن لا دار للمجازاة. وقوله: * (فيما ههنا آمنين) * في الذي استقر في هذا المكان من النعيم، ثم فسره بقوله: * (في جنات وعيون) * وهذا أيضا إجمال ثم تفصيل، فإن قيل: لم قال * (ونخل) * بعد قوله: * (في جنات) * والجنة تتناول النخل جوابه من وجهين: الأول: أنه خص النخل بإفراده بعد دخوله في جملة سائر الشجر تنبيها على فضله على سائر الأشجار والثاني: أن يراد بالجنات غيرها من الشجر، لأن اللفظ يصلح لذلك، ثم يعطف عليها النخل، والطلع هو الذي يطلع من النخلة كنصل السيف في جوفه شماريخ، والهضيم اللطيف أيضا من قولهم: كشح هضيم، وقيل الهضيم اللين النضيج كأنه قال: ونخل قد أرطب ثمره وثانيها: قوله تعالى: * (وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين) * قرأ الحسن * (وتنحتون) * بفتح الحاء، وقرئ * (فرهين) * و * (فارهين) * والفراهة الكيس والنشاط، فقوله: * (فارهين) * حال من الناحيتين.
واعلم أن ظاهر هذه الآيات يدل على أن الغالب على قوم هود هو اللذات الحالية، وهي طلب الاستعلاء والبقاء والتفرد والتجبر، والغالب على قوم صالح هو اللذات الحسية، وهي طلب المأكول والمشروب والمساكن الطيبة الحصينة وثالثها: قوله تعالى: * (ولا تطيعوا أمر المسرفين) * وهذا إشارة إلى أنه يجب الاكتفاء من الدنيا بقدر الكفاف، ولا يجوز التوسع في طلبها والاستكثار من لذاتها وشهواتها، فإن قيل ما فائدة قوله: * (ولا يصلحون) * جوابه: فائدته بيان أن فسادهم فساد خالص ليس معه شيء من الصلاح، كما يكون حال بعض المفسدين مخلوطة ببعض الصلاح، ثم إن القوم أجابوه من وجهين: أحدهما: قولهم: * (إنما أنت من المسحرين) * وفيه وجوه: أحدها: المسحر هو الذي سحر كثيرا حتى غلب على عقله وثانيها: * (من المسحرين) * أي من له