طلب بعدها سعادة الآخرة وهي جنة النعيم، وشبهها بما يورث لأنه الذي يغتنم في الدنيا، فشبه غنيمة الآخرة بغنيمة الدنيا.
المطلوب الرابع: قوله: * (واغفر لأبي إنه كان من الضالين) * واعلم أنه لما فرغ من طلب السعادات الدنيوية والأخروية لنفسه طلبها لأشد الناس التصاقا به وهو أبوه فقال: * (واغفر لأبي) * ثم فيه وجوه: الأول: أن المغفرة مشروطة بالإسلام وطلب المشروط متضمن لطلب الشرط فقوله: * (واغفر لأبي) * يرجع حاصله إلى أنه دعاء لأبيه بالإسلام الثاني: أن أباه وعده الإسلام كما قال تعالى: * (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه) * (التوبة: 114) فدعا له لهذا الشرط ولا يمتنع الدعاء للكافر على هذا الشرط * (فلما تبين أنه عدو لله تبرأ منه) * (التوبة: 114) وهذا ضعيف لأن الدعاء بهذا الشرط جائز للكافر فلو كان دعاؤه مشروطا لما منعه الله عنه الثالث: أن أباه قال له إنه على دينه باطنا وعلى دين نمروذ ظاهرا تقية وخوفا، فدعا له لاعتقاده أن الأمر كذلك فلما تبين له خلاف ذلك تبرأ منه، لذلك قال في دعائه: * (إنه كان من الضالين) * فلولا اعتقاده فيه أنه في الحال ليس بضال لما قال ذلك.
المطلوب الخامس: قوله: * (ولا تخزني يوم يبعثون) * قال صاحب " الكشاف ": الإخزاء من الخزي وهو الهوان، أو من الخزاية وهي الحياء وههنا أبحاث:
أحدها: أن قوله: * (ولا تخزني) * يدل على أنه لا يجب على الله تعالى شيء على ما بيناه في قوله: * (والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين) * (الشعراء: 82).
وثانيها: أن لقائل أن يقول لما قال أولا: * (واجعلني من ورثة جنة النعيم) * ومتى حصلت الجنة، امتنع حصول الخزي، فكيف قال بعده: * (ولا تخزني يوم يبعثون) * وأيضا فقد قال تعالى: * (إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين) * (النحل: 27) فما كان نصيب الكفار فقط فكيف يخافه المعصوم؟ جوابه: كما أن حسنات الأبرار سيئات المقربين فكذا درجات الأبرار دركات المقربين وخزي كل واحد بما يليق به.
وثالثها: قال صاحب " الكشاف ": في (يبعثون) ضمير العباد لأنه معلوم أو ضمير الضالين.
أما قوله: * (إلا من أتي الله بقلب سليم) * فاعلم أنه تعالى أكرمه بهذا الوصف حيث قال: * (وإن من شيعته لإبراهيم * إذ جاء ربه بقلب سليم) * (الصافات: 83، 84).
ثم في هذا الاستثناء وجوه: أحدها: أنه إذا قيل لك: هل لزيد مال وبنون؟ فتقول ماله وبنوه سلامة قلبه، تريد نفي المال والبنين عنه وإثبات سلامة القلب له بدلا عن ذلك، فكذا في هذه الآية وثانيها: أن نحمل الكلام على المعنى ونجعل المال والبنين في معنى الغنى كأنه قيل يوم لا ينفع غنى إلا غنى من أتى الله بقلب سليم لأن غنى الرجل في دينه بسلامة قلبه كما أن غناه في دنياه بماله وبنيه وثالثها: أن نجعل (من) مفعولا لينفع أي لا ينفع مال ولا بنون إلا رجلا سلم قلبه مع ماله حيث أنفقه في طاعة الله تعالى، ومع بنيه حيث أرشدهم إلى الدين، ويجوز على هذا * (إلا من أتى الله