لمعنيين: أحدهما: أن كلام عيسى عليه السلام أقوى في إزالة التهمة من كلامها وفيه دلالة على أن تفويض الأمر إلى الأفضل أولى. والثاني: كراهة مجادلة السفهاء وفيه أن السكوت عن السفيه واجب، ومن أذل الناس سفيه لم يجد مسافها.
المسألة التاسعة: اختلفوا في أنها هل قالت معهم: * (إني نذرت للرحمن صوما) * فقال قوم: إنها ما تكلمت معهم بذلك لأنها كانت مأمورة بأن تأتي بهذا النذر عند رؤيتها فإذا أتت بهذا النذر فلو تكلمت معهم بعد ذلك لوقعت في المناقضة ولكنها أمسكت وأومأت برأسها، وقال آخرون: إنها ما نذرت في الحال بل صبرت حتى أتاها القوم فذكرت لهم: * (إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا) * وهذه الصيغة وإن كانت عامة إلا أنها صارت بالقرينة مخصوصة في حق هذا الكلام.
* (فأتت به قومها تحمله قالوا يامريم لقد جئت شيئا فريا * يا أخت هارون ما كان أبوك مرأ سوء وما كانت أمك بغيا * فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان فى المهد صبيا) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اختلفوا في أنها كيف أتت بالولد على أقوال: الأول: ما روي عن وهب قال: أنساها كرب الولادة وما سمعته من الناس ما كان من كلام الملائكة من البشارة بعيسى عليه السلام فلما كلمها جاءها مصداق ذلك فاحتملته وأقبلت به إلى قومها. الثاني: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن يوسف انتهى بمريم إلى غار فأدخلها فيه أربعين يوما حتى طهرت من النفاس ثم أتت به قومها تحمله فكلمها عيسى في الطريق، فقال: يا أماه أبشري فإني عبد الله ومسيحه. وهذان الوجهان محتملان وليس في القرآن ما يدل على التعيين.
المسألة الثانية: الفريء، البديع وهو من فري الجلد يروى أنهم لما رأوها ومعها عيسى عليه السلام قالوا لها: * (لقد جئت شيئا فريا) * فيحتمل أن يكون المراد شيئا عجيبا خارجا عن العادة من غير تعيير وذم ويحتمل أن يكون مرادهم شيئا عظيما منكرا فيكون ذلك منهم على وجه الذم وهذا أظهر لقولهم بعده: * (يا أخت هارون ما كان أبوك أمرأ سوء وما كانت أمك بغيا) * لأن هذا القول ظاهره التوبيخ وأما هارون ففيه أربعة أقوال: الأول: أنه رجل صالح من بني إسرائيل ينسب إليه كل من عرف بالصلاح، والمراد أنك كنت في الزهد كهرون فكيف صرت هكذا، وهو قول