عليه السلام عما يجري هناك، وهذا المقصود لا يتم إلا عند سماع الكلام وأيضا فإن تكليم الله تعالى موسى عليه السلام على هذا الوجه معجز، وقد تقدمت نبوة موسى عليه السلام لا بد من ظهور هذا المعنى لغيره.
المسألة الثالثة: قال أصحابنا هذه الآية تدل على أنه سبحانه يجوز أن يرى وتقريره من أربعة أوجه. الأول: أن الآية دالة على أن موسى عليه السلام سأل الرؤية، ولا شك أن موسى عليه السلام يكون عارفا بما يجب ويجوز ويمتنع على الله تعالى، فلو كانت الرؤية ممتنعة على الله تعالى لما سألها، وحيث سألها؛ علمنا أن الرؤية جائزة على الله تعالى. قال القاضي: الذي قاله المحصلون من العلماء في ذلك أقوال أربعة: أحدها: ما قاله الحسن وغيره: أن موسى عليه السلام ما عرف أن الرؤية غير جائزة على الله تعالى، قال ومع الجهل بهذا المعنى قد يكون المرء عارفا بربه وبعدله وتوحيده، فلم يبعد أن يكون العلم بامتناع الرؤية وجوازها موقوفا على السمع. وثانيها: أن موسى عليه السلام سأل الرؤية على لسان قومه، فقد كانوا جاهلين بذلك يكررون المسألة عليه يقولون: * (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة) * (البقرة: 55) فسأل موسى الرؤية لا لنفسه، فلما ورد المنع ظهر أن ذلك لا سبيل إليه، وهذه طريقة أبي علي وأبي هاشم. وثالثها: أن موسى عليه السلام سأل ربه من عنده معرفة باهرة باضطرار وأهل هذا التأويل مختلفون، فمنهم من يقول سأل ربه المعرفة الضرورية. ومنهم من يقول: بل سأله إظهار الآيات الباهرة التي عندها تزول الخواطر والوساوس عن معرفته، وإن كانت من فعله، كما نقوله في معرفة أهل الآخرة، وهو الذي اختاره أبو القاسم الكعبي. ورابعها: المقصود من هذا السؤال أن يذكر تعالى من الدلائل السمعية ما يدل على امتناع رؤيته حتى يتأكد الدليل العقلي بالدليل السمعي. وتعاضد الدلائل أمر مطلوب للعقلاء، وهو الذي ذكره أو بكر الأصم فهذا مجموع أقوال المعتزلة في تأويل هذه الآية. قال أصحابنا أما الوجه الأول، فضعيف ويدل عليه وجوه: الأول: إجماع العقلاء على أن موسى عليه السلام ما كان في العلم بالله أقل منزلة ومرتبة من أراذل المعتزلة، فلما كان كلهم عالمين بامتناع الرؤية على الله تعالى وفرضنا أن موسى عليه السلام لم يعرف ذلك، كانت معرفته بالله أقل درجة من معرفة كل واحد من أراذل المعتزلة، وذلك باطل بإجماع المسلمين. الثاني: أن المعتزلة يدعون العلم الضروري، بأن كل ما كان مرئيا، فإنه يجب أن يكون مقابلا أو في حكم المقابل. فإما أن يقال إن موسى عليه السلام حصل له هذا العلم أو لم يحصل له هذا العلم. فإن كان الأول كان تجويزه لكونه تعالى مرئيا، يوجب تجويز كونه تعالى حاصلا في الحيز والجهة، وتجويز هذا المعنى على الله تعالى يوجب الكفر عند المعتزلة، فيلزمهم كون