الواحدة والحية الواحدة من الشعير، ولو جوز ذلك لجوزناه في هذا الإنسان الذي نشاهده الآن أنه إنما حدث الآن دفعة واحدة لا من الأبوين، ولجوزنا في زيد الذي نشاهده الآن أنه ليس هو زيد الذي شاهدناه بالأمس، بل هو شخص آخر حدث الآن دفعة واحدة، ومعلوم أن من فتح على نفسه أبواب هذه التجويزات فإن جمهور العقلاء يحكمون عليه بالخبل والعته والجنون، ولأن لو جوزنا ذلك لجوزنا أن يقال: إن الجبال انقلبت ذهبا ومياه البحار انقلبت دما، ولجوزنا في التراث الذي كان في مزبلة البيت أنه انقلب دقيقا، وفي الدقيق الذي كان في البيت أنه نقلب ترابا. وتجويز أمثال هذه الأشياء مما يبطل العلوم الضرورية ويوجب دخول الإنسان في السفسطة، وذلك باطل قطعا. فما يفضي إليه كان أيضا باطلا.
فإن قال قائل: تجويز أمثال هذه الأشياء مختص بزمان دعوة الأنبياء، وهذا لزمان ليس كذلك. فقد حصل الأمان في هذا الزمان عن تجويز هذه الأحوال.
فالجواب عنه من وجوه: الأول: أن هذا التجويز إذا كان قائما في الجملة كان تخصيص هذا التجويز بزمان دون زمان مما لا يعرف إلا بدليل غامض. فكان يلزم أن يكون الجاهل بذلك الدليل الغامض جاهلا باختصاص ذلك التجويز بذلك الزمان المعين. فكان يلزم من جمهور العقلاء الذين لا يعرفون ذلك الدليل الغامض أن يجوزوا كل ما ذكرناه من الجهات وأن لا يكونوا قاطعين بامتناع وقوعها، وحيث نراهم قاطعين بامتناع وقوعها علمنا أن ما ذكرتموه فاسد. والثاني: أنا لو جوزنا أمثال هذه الأحوال في زمان دعوة النبوة فإنه يبطل أيضا به القول بصحة النبوة، فإنه إذا جاز أن تنقلب العصا ثعبانا، جاز في الشخص الذي شاهدناه أنه ليس هو الشخص الأول، بل الله أعدم الشخص الأول دفعة واحدة، وأوجد شخصا آخر يساويه في جميع الصفات. وعلى هذا التقدير فلا يمكننا أن نعلم أن هذا الذي نراه الآن هو الذي رأيناه بالأمس. وحينئذ يلزم وقوع الشك في الذين رأوا موسى وعيسى ومحمدا عليهم السلام أن ذلك الشخص هل هو الذي رأوه بالأمس أم لا؟ ومعلوم أن تجويزه يوجب القدح في النبوة والرسالة. والثالث: وهو أن هذا الزمان وإن لم لكن زمان جواز المعجزات إلا أنه زمان جواز الكرامات عندكم. فيلزمكم تجويزه، فهذا جملة الكلام في هذا المقام.
واعلم أن القول بتجويز انقلاب العادات عن مجاريها صعب مشكل، والعقلاء اضطربوا فيه وحصل لأهل العلم فيه ثلاثة أقوال:
القول الأول: قول من يجوز ذلك على الإطلاق وهو قول أصحابنا، وذلك لأنهم جوزوا