فان السني يقول: الأمر كله في الطاعة والمعصية والايمان والكفر بيد الله، فيقول المعتزلي: ليس الأمر كذلك، فان الانسان مختار مستقل بالفعل، ان شاء آمن، وإن شاء كفر، فعلى هذا الوجه لا يكون هذا الكلام شبهة مستقلة بنفسها، بل يكون الغرض منه الطعن فيما جعله الله تعالى جوابا عن الشبهة الأولى.
والوجه الثاني: أن يكون المراد من قوله: * (هل لنا من الأمر من شيء) * هو أنه هل لنا من النصرة التي وعدنا بها محمد شيء، ويكون المراد من قوله: * (لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا) * هو ما كان يقوله عبد الله بن أبي من أن محمدا لو أطاعني وما خرج من المدينة ما قتلنا ههنا.
واعلم أنه تعالى أجاب عن هذه الشبهة من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول من الجواب: قوله: * (قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم) * والمعنى أن الحذر لا يدفع القدر، والتدبير لا يقاوم التقدير، فالذين قدر الله عليهم القتل لا بد وأن يقتلوا على جميع التقديرات، لأن الله تعالى لما أخبر أنه يقتل، فلو لم يقتل لانقلب علمه جهلا؛ وقد بينا أيضا أنه ممكن فلا بد من انتهائه إلى إيجاد الله تعالى، فلو لم يجد لانقلبت قدرته عجزا، وكل ذلك محال، ومما يدل على تحقيق الوجوب كما قررنا قوله: * (الذين كتب عليهم القتل) * وهذه الكلمة تفيد الوجوب، فان هذه الكلمة في قوله: * (كتب عليكم الصيام) * * (كتب عليكم القصاص) * (البقرة: 178) تفيد وجوب الفعل، وها هنا لا يمكن حملها على وجوب الفعل، فوجب حملها على وجوب الوجود وهذا كلام في غاية الظهور لمن أيده الله بالتوفيق. ثم نقول للمفسرين: فيه قولان: الأول: لو جلستم في بيوتكم لخرج منكم من كتب الله عليهم القتل إلى مضاجعهم ومصارعهم حتى يوجد ما علم الله أنه يوجد، والثاني: كأنه قيل للمنافقين لو جلستم في بيوتكم وتخلفتم عن الجهاد لخرج المؤمنون الذين كتب عليهم قتال الكفار إلى مضاجعهم، ولم يتخلفوا عن هذه الطاعة بسبب تخلفكم.
الوجه الثاني في الجواب عن تلك الشبهة: قوله: * (وليبتلي الله ما في صدوركم) * وذلك لأن القوم زعموا أن الخروج إلى تلك المقاتلة كان مفسدة، ولو كان الأمر إليهم لما خرجوا إليها، فقال تعالى: بل هذه المقاتلة مشتملة على نوعين من المصلحة: أن يتميز الموافق من المنافق، وفي المثل المشهور: لا تكرهوا الفتن فإنها حصاد المنافقين، ومعنى الابتلاء في حق الله تعالى قد مر تفسيره مرارا كثيرة لا تكرهوا الفتن فإنها حصاد المنافقين، ومعنى الابتلاء في حق الله تعالى قد مر تفسيره مرارا كثيرة.
فان قيل: لم ذكر الابتلاء وقد سبق ذكره في قوله: * (ثم صرفكم عنهم ليبتليكم) * (آل عمران: 152).
قلنا: لما طال الكلام أعاد ذكره، وقيل الابتلاء الأول هزيمة المؤمنين، والثاني سائر الأحوال.
والوجه الثالث في الجواب: قوله: * (وليمحص ما في قلوبكم) * وفيه وجهان: أحدهما: أن هذه