كان في ثوبي خرق فأخذت خيطا من هذا المتاع فخطته به، فهل علي جناح؟ فقال سلمان: كل شيء بقدره فسل الرجل الخيط من ثوبه ثم ألقاه في المتاع، وروي أن رجلا جاء النبي صلى الله عليه وسلم بشراك أو شراكين من المغنم، فقال أصبت هذا يوم خيبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " شراك أو شراكان من نار " ورمى رجل بسهم في خيبر، فقال القوم لما مات: هنيئا له الشهادة فقال عليه الصلاة والسلام: " كلا والذي نفس محمد بيده أن الشملة التي أخذها من الغنائم قبل قسمتها لتلتهب عليه نارا " واعلم أنه يستثنى عن هذ النهي حالتان.
الحالة الأولى: أخذ الطعام وأخذ علف الدابة بقدر الحاجة، قال عبد الله بن أبي أوفى: أصبنا طعاما يوم حنين، فكان الرجل يأتي فيأخذ منه قدر الكفاية ثم ينصرف، وعن سلمان أنه أصاب يوم المدائن أرغفة وجبنا وسكينا، فجعل يقطع من الجبن ويقول: كلوا على اسم الله.
الحالة الثانية: إذا احتاج إليه، روي عن البراء بن مالك أنه ضرب رجلا من المشركين يوم اليمامة فوقع على قفاه فأخذ سيفه وقتله به.
المسألة الثالثة: أما القراءة بفتح الياء وضم الغين، بمعنى: ما كان لنبي أن يخون، فله تأويلان: الأول: أن يكون المراد أن النبوة والخيانة لا يجتمعان، وذلك لأن الخيانة سبب للعار في الدنيا والنار في الآخرة، فالنفس الراغبة فيها تكون في نهاية الدناءة، والنبوة أعلى المناصب الانسانية فلا تليق إلا بالنفس التي تكون في غاية الجلالة والشرف، والجمع بين الصفتين في النفس الواحدة ممتنع، فثبت أن النبوة والخيانة لا تجتمعان، فنظير هذه الآية قوله: * (ما كان لله أن يتخذ من ولد) * (مريم: 35) يعني: الإلهية واتخاذ الولد لا يجتمعان، وقيل: اللام منقولة، والتقدير: وما كان النبي ليغل، كقوله: * (ما كان لله أن يتخذ من ولد) * أي ما كان الله ليتخذ ولدا. الوجه الثاني: في تأويل هذه الآية على هذه القراءة أن يقال: ان القوم قد التمسوا منه أن يخصهم بحصة زائدة من الغنائم، ولا شك أنه لو فعل ذلك لكان ذلك غلولا، فأنزل الله تعالى هذه الآية مبالغة في النهي له عن ذلك، ونظيره قوله: * (لئن أشركت ليحبطن عملك) * (الزمر: 65) وقوله: * (ولو نقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين) * (الحاقة: 44) فقوله: * (وما كان لنبي أن يغل) * أي ما كان يحل له ذلك، وإذا لم يحل له لم يفعله، ونظيره قوله: * (ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا) * (النور: 16) أي ما يحل لنا.
وإذا عرفت تأويل الآية على هذه القراءة فنقول: حجة هذه القراءة وجوه: أحدها: أن أكثر الروايات في سبب نزول هذه الآية أنهم نسبوا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الغلول، فبين الله بهذه الآية أن هذه الخصلة لا تليق به. وثانيها: أن ما هو من هذا القبيل في التنزيل أسند الفعل فيه