المسألة الثانية: قال صاحب " الكشاف ": (فاعف عنهم) فيما يتعلق بحقك (واستغفر لهم) فيما يتعلق بحق الله تعالى.
المسألة الثالثة: ظاهر الأمر للوجوب، والفاء في قوله تعالى: * (فاعف عنهم) * يدل على التعقيب، فهذا يدل على أنه تعالى أوجب عليه أن يعفو عنهم في الحال، وهذا يدل على كمال الرحمة الإلهية حيث عفا هو عنهم، ثم أوجب على رسوله أن يعفو في الحال عنهم.
واعلم أن قوله: * (فاعف عنهم) * إيجاب للعفو على الرسول عليه السلام، ولما آل الأمر إلى الأمة لم يوجبه عليهم، بل ندبهم إليه فقال تعالى: * (والعافين عن الناس) * ليعلم أن حسنات الأبرار سيئات المقربين. وثانيها: قوله تعالى: * (واستغفر لهم) * وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: في هذه الآية دلالة قوية على أنه تعالى يعفو عن أصحاب الكبائر، وذلك لأن الانهزام في وقت المحاربة كبيرة لقوله تعالى: * (ومن يولهم يومئذ دبره) * إلى قوله: * (فقد باء بغضب من الله) * (الأنفال: 16) فثبت أن انهزام أهل أحد كان من الكبائر، ثم انه تعالى نص في الآية المتقدمة على أنه عفا عنهم وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية بالعفو عنهم، ثم أمره بالاستغفار لهم، وذلك من أدل الدلائل على ما ذكرنا.
المسألة الثانية: قوله تعالى: * (واستغفر لهم) * أمر له بالاستغفار لأصحاب الكبائر، وإذا أمره بطلب المغفرة لا يجوز أن لا يجيبه إليه، لأن ذلك لا يليق بالكريم، فدلت هذه الآية على أنه تعالى يشفع محمدا صلى الله عليه وسلم في الدنيا في حق أصحاب الكبائر، فبأن يشفعه في حقهم في القيامة كان أولى.
المسألة الثالثة: أنه سبحانه وتعالى عفا عنهم أولا بقوله: * (ولقد عفا الله عنهم) * (آل عمران: 155) ثم أمر محمدا صلى الله عليه وسلم في هذه الآية بالاستغفار لهم ولأجلهم، كأنه قيل له: يا محمد استغفر لهم فاني قد غفرت لهم قبل أن تستغفر لهم، واعف عنهم فاني قد عفوت عنهم قبل عفوك عنهم، وهذا يدل على كمال رحمة الله لهذه الأمة، وثالثها: قوله تعالى: * (وشاورهم في الأمر) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: يقال: شاورهم مشاورة وشوارا ومشورة، والقوم شورى، وهي مصدر سمي القوم بها كقوله: * (وإذ هم نجوى) * (الإسراء: 47) قيل: المشاورة مأخوذة من قولهم: شرت العسل أشوره إذا أخذته من موضعه واستخرجته، وقيل مأخوذة من قولهم: شرت الدابة شورا إذا عرضتها، والمكان الذي يعرض فيه الدواب يسمى مشوارا، كأنه بالعرض يعلم خيره وشره، فكذلك بالمشاورة يعلم خير الأمور وشرها.