المسألة الثانية: * (غير المحق) * في حكم المصدر، ومعناه: يظنون بالله غير الظن الحق الذي يجب أن يظن به (وظن الجاهلية) بدل منه، والفائدة في هذا الترتيب أن غير الحق: أديان كثيرة، وأقبحها مقالات أهل الجاهلية، فذكر أولا أنهم يظنون بالله غير الظن الحق، ثم بين أنهم اختاروا من أقسام الأديان التي غير حقة أركها وأكثرها بطلانا، وهو ظن أهل الجاهلية، كما يقال: فلان دينه ليس بحق، دينه دين الملاحدة.
المسألة الثالثة: في قوله: * (ظن الجاهلية) * قولان: أحدهما: أنه كقولك: حاتم الجود، وعمر العدل، يريد الظن المختص بالملة الجاهلية، والثاني: المراد ظن أهل الجاهلية.
الصفة الثانية: من الصفات التي ذكرها الله تعالى لهؤلاء المنافقين قوله تعالى: * (يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله) *.
واعلم أن قوله) * (هل لنا من الأمر من شيء) * حكاية للشبهة التي تمسك أهل النفاق بها، وهو يحتمل وجوها: الأول: أن عبد الله بن أبي لما شاوره النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة أشار عليه بأن لا يخرج من المدينة، ثم إن الصحابة ألحوا على النبي صلى الله عليه وسلم في أن يخرج إليهم، فغضب عبد الله بن أبي من ذلك، فقال عصاني وأطاع الولدان، ثم لما كثر القتل في بني الخزرج ورجع عبد الله بن أبي قيل له: قتل بنو الخزرج، فقال: هل لنا من الأمر من شيء، يعني أن محمدا لم يقبل قولي حين أمرته بأن يسكن في المدينة ولا يخرج منها، ونظيره ما حكاه الله عنهم أنهم قالوا: * (لو أطاعونا ما قتلوا) * (آل عمران: 168) والمعنى: هل لنا من أمر يطاع وهو استفهام على سبيل الانكار.
الوجه الثاني في التأويل: أن من عادة العرب أنه إذا كانت الدولة لعدوه قالوا: عليه الأمر، فقوله: * (هل لنا من الأمر من شيء) * أي هل لنا من الشيء الذي كان يعدنا به محمد، وهو النصرة والقوة شيء وهذا استفهام على سبيل الانكار، وكان غرضهم منه الاستدلال بذلك على أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان كاذبا في ادعاء النصرة والعصمة من الله تعالى لأمته، وهذا استفهام على سبيل الانكار. الثالث: أن يكون التقدير: أنطمع أن تكون لنا الغلبة على هؤلاء، والغرض منه تصبير المسلمين في التشديد في الجهاد والحرب مع الكفار، ثم إن الله سبحانه أجاب عن هذه الشبهة بقوله: * (قل إن الأمر كله لله) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ أبو عمرو (كله) برفع اللام، والباقون بالنصب، أما وجه الرفع فهو أن قوله: (كله) مبتدأ وقوله: (لله) خبره، ثم صارت هذه الجملة خبرا لان، وأما النصب فلان لفظة " كل " للتأكيد، فكانت كلفظة أجمع، ولو قيل: ان الأمر أجمع، لم يكن إلا النصب، فكذا إذا قال " كله ".