من نصر هذا القول زعم أن من مذهب العرب إدخال الواو في جواب " حتى إذا " بدليل قوله تعالى: * (حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها) * (الزمر: 71) والتقدير حتى إذا جاؤها فتحت لهم أبوابها.
فان قيل: إن فشلتم وتنازعتم معصية، فلو جعلنا الفشل والتنازع علة للمعصية لزم كون الشيء علة لنفسه وذلك فاسد.
قلنا: المراد من العصيان ههنا خروجهم عن ذلك المكان، ولا شك أن الفشل والتنازع هو الذي أوجب خروجهم عن ذلك المكان، فلم يلزم تعليل الشيء بنفسه.
واعلم أن البصريين إنما لم يقبلوا هذا الجواب لأن مذهبهم أنه لا يجوز جعل الواو زائدة.
الوجه الثالث في الجواب: أن يقال تقدير الآية: حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعدما أراكم ما تحبون، صرتم فريقين، منكم من يريد الدنيا، ومنكم من يريد الآخرة.
فالجواب: هو قوله: صرتم فريقين، إلا أنه أسقط لأن قوله: * (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة) * يفيد فائدته ويؤدي معناه، لأن كلمة " من " للتبعيض فهي تفيد هذا الانقسام، وهذا احتمال خطر ببالي.
الوجه الرابع: قال أبو مسلم: جواب قوله: * (حتى إذا فشلتم) * هو قوله: * (صرفكم عنهم) * والتقدير حتى إذا فشلتم وكذا وكذا صرفكم عنهم ليبتليكم وكلمة " ثم " ههنا كالساقطة وهذا الوجه في غاية العبد. والله أعلم.
المسألة الثانية: أنه تعالى ذكر أمورا ثلاثة: أولها: الفشل وهو الضعف، وقيل الفشل هو الجبن، وهذا باطل بدليل قوله تعالى: * (ولا تنازعوا فتفشلوا) * (الأنفال: 46) أي فتضعفوا، لأنه لا يليق به أن يكون المعنى فتجنبوا. ثانيها: التنازع في الأمر وفيه بحثان.
البحث الأول: المراد من التنازع انه عليه الصلاة والسلام أمر الرماة بأن لا يبرحوا عن مكانهم البتة، وجعل أميرهم عبد الله بن جبير؛ فلما ظهر المشركون أقبل الرماة عليهم بالرمي الكثير حتى انهزم المشركون، ثم إن الرماة رأوا نساء المشركين صعدن الجبل وكشفن عن سوقهن بحيث بدت خلاخيلهن، فقالوا الغنيمة الغنيمة، فقال عبد الله: عهد الرسول إلينا أن لا نبرح عن هذا المكان فأبوا عليه وذهبوا إلى طلب الغنيمة، وبقي عبد الله مع طائفة قليلة دون العشرة إلى أن قتلهم المشركون فهذا هو التنازع.
البحث الثاني: قوله: * (في الأمر) * فيه وجهان: الأول: أن الأمر ههنا بمعنى الشأن والقصة، أي تنازعتم فيما كنتم فيه من الشأن. والثاني: أنه الأمر الذي يضاده النهي. والمعنى: وتنازعتم فيما أمركم