ليصير ذلك كالدلالة على أنه تعالى ينجز وعده في نصر المؤمنين. الثاني: أنه تعالى بين أنه نصر المؤمنين أولا، فلما عصى بعضهم سلط الخوف عليهم، ثم ذكر أنه أزال ذلك الخوف عن قلب من كان صادقا في إيمانه مستقرا على دينه بحيث غلب النعاس عليه.
واعلم أن الذين كانوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أحد فريقان: أحدهما: الذين كانوا جازمين بأن محمدا عليه الصلاة والسلام نبي حق من عند الله وأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وكانوا قد سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى ينصر هذا الدين ويظهره على سائر الأديان، فكانوا قاطعين بأن هذه الواقعة لا تؤدي إلى الاستئصال، فلا جرم كانوا آمنين، وبلغ ذلك الامن إلى حيث غشيهم النعاس، فان النوم لا يجيء مع الخوف، فمجئ النوم يدل على زوال الخوف بالكلية، فقال ههنا في قصة أحد في هؤلاء * (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا) * وقال في قصة بدر * (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه) * (الأنفال: 11) ففي قصة أحد قدم الأمنة على النعاس، وفي قصة بدر قدم النعاس على الأمنة، وأما الطائفة الثانية وهم المنافقون الذين كانوا شاكين في نبوته عليه الصلاة والسلام، وما حضروا إلا لطلب الغنيمة، فهؤلاء اشتد جزعهم وعظم خوفهم، ثم انه تعالى وصف حال كل واحدة من هاتين الطائفتين، فقال في صفة المؤمنين: * (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال الواحدي: " الأمنة " مصدر كالامن، ومثله من المصادر: العظمة والغلبة، وقال الجبائي: يقال: أمن فلان يأمن أمنا وأمانا.
المسألة الثانية: قال صاحب الكشاف: قرىء (أمنة) بسكون الميم، لأنها المرة من الأمن.
المسألة الثالثة: في قوله تعالى: * (نعاسا) * وجهان: أحدهما: أن يكون بدلا من أمنة، والثاني: إن يكون مفعولا، وعلى هذا التقدير ففي قوله: * (أمنة) * وجوه: أحدها: أن تكون حالا منه مقدمة عليه، كقولك: رأيت راكبا رجلا، وثانيها: أن يكون مفعولا له بمعنى نعستم أمنة، وثالثها: أن يكون حالا من المخاطبين بمعنى ذوي أمنة.
ثم قال تعالى: * (يغشى طائفة منكم) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: قد ذكرنا أن هذه الطائفة هم المؤمنون الذين كانوا على البصيرة في إيمانهم قال أبو طلحة، غشينا النعاس ونحن في مصافنا، فكان السيف يسقط من يد أحدنا فيأخذه. ثم يسقط فيأخذه، وعن الزبير قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم حين اشتد الخوف، فأرسل الله علينا النوم، وإني لأسمع قول معتب بن قشير: والنعاس يغشاني يقول: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا