وعصيتم من بعد مآ أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الاخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين) *.
اعلم أن اتصال هذه الآية بما قبلها من وجوه: الأول: أنه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة وقد أصابهم ما أصابهم بأحد، قال ناس من أصحابه: من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر! فأنزل الله تعالى هذه الآية. الثاني: قال بعضهم كان النبي صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أنه يذبح كبشا فصدق الله رؤياه بقتل طلحة بن عثمان صاحب لواء المشركين يوم أحد، وقتل بعده تسعة نفر على اللواء فذاك قوله: * (ولقد صدقكم الله وعده) * يريد تصديق رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم. الثالث: يجوز أن يكون هذا الوعد ما ذكره في قوله تعالى: * (بلى ان تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم) * (آل عمران: 125) إلا أن هذا كان مشروطا بشرط الصبر والتقوى. والرابع: يجوز أن يكون هذا الوعد هو قوله: * (ولينصرن الله من ينصره) * إلا أن هذا أيضا مشروط بشرط. والخامس: يجوز أن يكون هذا الوعد هو قوله: * (سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب) * (آل عمران: 151) والسادس: قيل: الوعد هو ان النبي صلى الله عليه وسلم قال للرماة: " لا تبرحوا من هذا المكان، فانا لا نزال غالبين ما دمتم في هذا المكان " السابع: قال أبو مسلم: لما وعدهم الله في الآية المتقدمة إلقاء الرعب في قلوبهم أكد ذلك بأن ذكرهم ما أنجزهم من الوعد بالنصر في واقعة أحد، فإنه لما وعدهم بالنصرة بشرط أن يتقوا ويصبروا فحين أتوا بذلك الشرط لا جرم، وفى الله تعالى بالمشروط وأعطاهم النصرة، فلما تركوا الشرط لا جرم فاتهم المشروط.
إذا عرفت وجه النظم ففي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قال الواحدي رحمه الله: الصدق يتعدى إلى مفعولين، تقول: صدقته الوعد والوعيد.
المسألة الثانية: قد ذكرنا في قصة أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل أحدا خلف ظهره