العجيب باطلا، وفي كلمة * (هذا) * ضرب من التعظيم كقوله: * (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) * (الإسراء: 9). المسألة الثالثة: في نصب قوله * (باطلا) * وجوه: الأول: أنه نعت لمصدر محذوف أي خلقا باطلا. الثاني: أنه بنزع الخافض تقديره: بالباطل أو للباطل. الثالث: قال صاحب " الكشاف ": يجوز أن يكون " باطلا " حالا من " هذا ".
المسألة الرابعة: قالت المعتزلة: إن كل ما يفعله الله تعالى فهو إنما يفعله لغرض الاحسان إلى البعيد البعيد ولأجل الحكمة، والمراد منها رعاية مصالح العباد، واحتجوا عليه بهذه الآية لأنه تعالى لو لم يخلق السماوات والأرض لغرض لكان قد خلقها باطلا، وذلك ضد هذه الآية قالوا: وظهر بهذه الآية أن الذي تقوله المجبرة: ان الله تعالى أراد بخلق السماوات والأرض صدور الظلم والباطل من أكثر عباده وليكفروا بخالقها، وذلك رد لهذه الآية، قالوا: وقوله: * (سبحانك) * تنزيه له عن خلقه لهما باطلا، وعن كل قبيح، وذكر الواحدي كلاما يصلح أن يكون جوابا عن هذه الشبهة فقال: الباطل عبارة عن الزائل الذاهب الذي لا يكون له قوة ولا صلابة ولا بقاء، وخلق السماوات والأرض خلق متقن محكم، ألا ترى إلى قوله: * (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور) * (الملك: 3) وقال: * (وبنينا فوقكم سبعا شدادا) * (النبأ: 12) فكان المراد من قوله: * (ربنا ما خلقت هذا باطلا) * هذا المعنى، لا ما ذكره المعتزلة.
فان قيل: هذا الوجه مدفوع بوجوه: الأول: لو كان المراد بالباطل الرخو المتلاشي لكان قوله: * (سبحانك) * تنزيها له عن أن يخلق مثل هذا الخلق، ومعلوم أن ذلك باطل. الثاني: أنه إنما يحسن وصل قوله: * (فقنا عذاب النار) * به إذا حملناه على المعنى الذي ذكرناه لأن التقدير: ما خلقته باطلا بغير حكمة بل خلقته بحكمة عظيمة، وهي أن تجعلها مساكن للمكلفين الذين اشتغلوا بطاعتك وتحرزوا عن معصيتك، فقنا عذاب النار، لأنه جزاء من عصي ولم يطع، فثبت أنا إذا فسرنا قوله: * (وما خلقت هذا باطلا) * بما ذكرنا حسن هذا النظم، أما إذا فسرناه بأنك خلقته محكما شديد التركيب لم يحسن هذا النظم. الثالث: أنه تعالى ذكر هذا في آية أخرى فقال: * (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا) * وقال في آية أخرى: * (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين * ما خلقناهما إلا بالحق) * (الدخان: 38 - 39) وقال في آية أخرى: * (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا إلى) * (المؤمنون: 115) قوله: * (فتعالى الله الملك الحق) * (المؤمنون: 116) أي فتعالى الملك الحق عن أن يكون فعله عباث، وإذا امتنع أن يكون عبثا فبأن يمتنع كونه باطلا أولى.
والجواب: اعلم أن بديهة العقل شاهدة بأن الموجود إما واجب لذاته، وإما ممكن لذاته، وشاهده