أما الوجه الأول: فليس المراد من هذه الآية أن هذا الاملاء ليس بخير، إنما المراد أن هذا الاملاء ليس خيرا لهم من أن يموتوا كما مات الشهداء يوم أحد، لأن كل هذه الآيات في شأن أحد وفي تثبيط المنافقين المؤمنين عن الجهاد على ما تقدم شرحه في الآيات المتقدمة، فبين تعالى أن إبقاء الكافرين في الدنيا وإملاءه لهم ليس بخير لهم من أن يموتوا كموت الشهداء، ولا يلزم من نفي كون هذا الاملاء أكثر خيرية من ذلك القتل، أن لا يكون هذا الاملاء في نفسه خيرا.
وأما الوجه الثاني: فقد قالوا: ليس المراد من الآية أن الغرض من الاملاء إقدامهم على الكفر والفسق بدليل قوله تعالى: * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) * (الذاريات: 56) وقوله: * (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله) * (النساء: 64) بل الآية تحتمل وجوها من التأويل: أحدها: أن تحمل هذه اللام على لام العاقبة كقوله تعالى: * (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا) * (القصص: 8) وقوله: * (ولقد ذرأنا لجهنم) * (الأعراف: 179) وقوله: * (وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله) * (إبراهيم: 30) وهم ما فعلوا ذلك لطلب الاضلال، بل لطلب الاهتداء، ويقال: ما كانت موعظتي لك إلا لزيادة في تماديك في الفسق إذا كانت عاقبة الموعظة ذلك، وثانيها: أن يكون الكلام على التقديم والتأخير، والتقدير: ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم ليزدادوا إثما إنما نملي لهم خير لأنفسهم وثالثها: أنه تعالى لما أمهلهم مع علمه بأنهم لا يزدادون عند هذا الامهال إلا تماديا في الغي والطغيان، أشبه هذا حال من فعل الاملاء لهذا الغرض والمشابهة أحد أسباب حسن المجاز. ورابعها: وهو السؤال الذي ذكرته للقوم وهو أن اللام في قوله: * (ليزدادوا إثما) * غير محمول على الغرض باجماع الأمة، أما على قول أهل السنة فلأنهم يحيلون تعليل أفعال الله بالأغراض، وأما على قولنا فلأنا لا نقول بأن فعل الله معلل بغرض التعب والايلام، بل عندنا أنه تعالى لم يفعل فعلا إلا لغرض الاحسان، وإذا كان كذلك فقد حصل الاجماع على أن هذه اللام غير محمولة على التعليل والغرض، وعند هذا يسقط ما ذكرتم من الاستدلال، ثم بعد هذا: قول القائل: ما المراد من هذه اللام غير ملتفت إليه، لأن المستدل إنما بنى استدلاله على أن هذه اللام للتعليل، فإذا بطل ذلك سقط استدلاله.
وأما الوجه الثالث: وهو الاخبار والعلم فهو معارض بأن هذا لو منع العبد من الفعل لمنع الله منه، ويلزم أن يكون الله موجبا لا مختارا، وهو بالاجماع باطل.
والجواب عن الأول: أن قوله: * (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير) * معناه نفي الخيرية في نفس الأمر، وليس معناه أنه ليس خيرا من شيء آخر، لأن بناء المبالغة لا يجوز ذكره إلا عند ذكر الراجح والمرجوح، فلما لم يذكر الله ههنا إلا أحد الأمرين عرفنا أنه لنفي الخيرية