فكذا ههنا يجوز أن يضاف القول إلى الجماعة الراضين بقول ذلك الواحد. الثاني: وهو قول ابن عباس، ومحمد بن إسحاق: أن ركبا من عبد القيس مروا بأبي سفيان، فدسهم إلى المسلمين ليجبنوهم وضمن لهم عليه جعلا. الثالث: قال السدي: هم المنافقون، قالوا للمسلمين حين تجهزوا للمسير إلى بعد لميعاد أبي سفيان: القوم قد أتوكم في دياركم، فقتلوا الأكثرين منكم، فان ذهبتم إليهم لم يبق منكم أحد.
المسألة الرابعة: قوله تعالى: * (إن الناس قد جمعوا لكم) * المراد بالناس هو أبو سفيان وأصحابه ورؤساء عسكره، وقوله: * (قد جمعوا لكم) * أي جمعوا لكم الجموع، فحذف المفعول لأن العرب تسمي الجيش جمعا ويجمعونه جموعا، وقوله: * (فاخشوهم) * أي فكونوا خائفين منهم، ثم انه تعالى أخبر أن المسلمين لما سمعوا هذا الكلام لم يلتفتوا إليه ولم يقيموا له وزنا، فقال تعالى: * (فزادهم إيمانا) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الضمير في قوله: * (فزادهم) * إلى ماذا يعود؟ فيه قولان: الأول: عائد إلى الذين ذكروا هذه التخويفات. والثاني: أنه عائد إلى نفس قولهم، والتقدير: فزادهم ذلك القول إيمانا، وإنما حسنت هذه الإضافة لأن هذه الزيادة في الايمان لما حصلت عند سماع هذا القول حسنت إضافتها إلى هذا القول وإلى هذا القائل، ونظيره قوله تعالى: * (فلم يزدهم دعائي إلا فرارا) * (نوح: 6) وقوله تعالى: * (فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا) * (فاطر: 42) المسألة الثانية: المراد بالزيادة في الايمان أنهم لما سمعوا هذا الكلام المخوف لم يلتفتوا إليه، بل حدث في قلوبهم عزم متأكد على محاربة الكفار، وعلى طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يأمر به وينهي عنه ثقل ذلك أو خف، لأنه قد كان فيهم من به جراحات عظيمة، وكانوا محتاجين إلى المداواة، وحدث في قلوبهم وثوق بأن الله ينصرهم على أعدائهم ويؤيدهم في هذه المحاربة، فهذا هو المراد من قوله تعالى: * (فزادهم إيمانا) *.
المسألة الثالثة: الذين يقولون ان الايمان عبارة لا عن التصديق بل عن الطاعات، وإنه يقبل الزيادة والنقصان، احتجوا بهذه الآية، فإنه تعالى نص على وقوع الزيادة، والذين لا يقولون بهذا القول قالوا: الزيادة إنما وقعت في مراتب الايمان وفي شعائره، فصح القول بوقوع الزيادة في الايمان مجازا.
المسألة الرابعة: هذه الواقعة تدل دلالة ظاهرة على أن الكل بقضاء الله وقدره، وذلك لأن المسلمين كانوا قد انهزموا من المشركين يوم أحد، والعادة جارية بأنه إذا انهزم أحد الخصمين عن