بسبب وقعة أحد ويؤيسونهم من النصرة والظفر، أو بسبب أنهم كانوا يقولون ان محمدا طالب ملك، فتارة يكون الأمر له، وتارة عليه، ولو كان رسولا من عند الله ما غلب، وهذا كان ينفر المسلمين عن الاسلام، فكان الرسول يحزن بسببه. قال بعضهم: ان قوما من الكفار أسلموا ثم ارتدوا خوفا من قريش فوقع الغم في قلب الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك السبب، فإنه عليه السلام ظن أنهم بسبب تلك الردة يلحقون به مضرة. فبين الله أن ردتهم لا تؤثر في لحوق ضرر بك قال القاضي: ويمكن أن يقوي هذا الوجه بأمور: الأول: أن المستمر على الكفر لا يوصف بأنه يسارع في الكفر، وإنما يوصف بذلك من يكفر بعد الايمان. الثاني: أن إرادته تعالى أن لا يجعل لهم حظا في الآخرة لا يليق إلا بمن قد آمن، فاستوجب ذلك، ثم أحبط. الثالث: أن الحزن إنما يكون على فوات أمر مقصود، فلما قدر النبي صلى الله عليه وسلم الانتفاع بايمانهم، ثم كفروا حزن صلى الله عليه وسلم عند ذلك لفوات التكثير بهم، فآمنه الله من ذلك وعرفه أن وجود إيمانهم كعدمه في أن أحواله لا تتغير.
القول الرابع: أن المراد رؤساء اليهود: كعب بن الأشرف وأصحابه الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم لمتاع الدنيا. قال القفال رحمه الله: ولا يبعد حمل الآية على جميع أصناف الكفار بدليل قوله تعالى: * (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) * إلى قوله: * (ومن الذين هادوا) * (المائدة: 41) فدلت هذه الآية على أن حزنه كان حاصلا من كل هؤلاء الكفار.
المسألة الثالثة: في الآية سؤال: وهو أن الحزن على كفر الكافر ومعصية العاصي طاعة، فكيف نهى الله عن الطاعة؟
والجواب من وجهين: الأول: أنه كان يفرط ويسرف في الحزن على كفر قومه حتى كاد يؤدي ذلك إلى لحوق الضرر به، فنهاه الله تعالى عن الاسراف فيه. ألا ترى إلى قوله تعالى: * (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) * (فاطر: 8) الثاني: أن المعنى لا يحزنوك بخوف أن يضروك ويعينوا عليك، ألا ترى إلى قوله: * (إنهم لن يضروا الله شيئا) * يعني أنهم لا يضرون بمسارعتهم في الكفر غير أنفسهم، ولا يعود وبال ذلك على غيرهم البتة.
ثم قال: * (إنهم لن يضروا الله شيئا) * والمعنى أنهم لن يضروا النبي وأصحابه شيئا، وقال عطاء: يريد: لن يضروا أولياء الله شيئا.
ثم قال تعالى: * (يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: أنه رد على المعتزلة، وتنصيص على أن الخير والشر بإرادة الله تعالى، قال القاضي: المراد أنه يريد الاخبار بذلك والحكم به.