لهم خير لأنفسهم) * يسد مسد المفعولين، ونظيره قوله تعالى: * (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون) * (الفرقان: 44) وأما قراءة حمزة بالتاء المنقطة من فوق فأحسن ما قيل فيه ما ذكره الزجاج، وهو أن * (الذين كفروا) * نصب بأنه المفعول الأول، و * (أنما نملي لهم) * بدل عنه. و * (خير لأنفسهم) * هو المفعول الثاني والتقدير: ولا تحسبن يا محمد إملاء الذين كفروا خيرا لهم. ومثله مما جعل " أن " مع الفعل بدلا من المفعول قوله تعالى: * (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم) * (الأنفال: 7) فقوله: * (أنها لكم) * بدل من إحدى الطائفتين.
المسألة الثانية: " ما " في قوله: * (أنما) * يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون بمعنى الذي فيكون التقدير: لا تحسبن الذين كفروا أن الذين نمليه خير لأنفسهم، وحذف الهاء من " نملي " لأنه يجوز حذف الهاء من صلة الذي كقولك: الذي رأيت زيد، والآخر: أن يقال: " ما " مع ما بعدها في تقدير المصدر، والتقدير: لا تحسبن الذين كفروا أن إملائي لهم خير.
المسألة الثالثة: قال صاحب " الكشاف ": " ما " مصدرية وإذا كان كذلك فكان حقها في قياس علم الخط أن تكتب مفصولة ولكنها وقعت في مصحف عثمان متصلة، واتباع خط المصاحف لذلك المصحف واجب، وأما في قوله: * (إنما نملي لهم) * فههنا يجب أن تكون متصلة لأنها كافة بخلاف الأولى.
المسألة الرابعة: معنى " نملي " نطيل ونؤخر، والاملاء الامهال والتأخير، قال الواحدي رحمه الله: واشتقاقه من الملوة وهي المدة من الزمان، يقال: ملوت من الدهر ملوة وملوة وملاوة وملاوة بمعنى واحد، قال الأصمعي: يقال: أملى عليه الزمان أي طال، وأملى له أي طول له وأمهله، قال أبو عبيدة: ومنه الملا للأرض الواسعة الطويلة والملوان الليل والنهار.
المسألة الخامسة: احتج أصحابنا بهذه الآية في مسألة القضاء والقدر من وجوه: الأول: أن هذا الاملاء عبارة عن إطالة المدة، وهي لا شك أنها من فعل الله تعالى، والآية نص في بيان أن هذا الاملاء ليس بخير، وهذا يدل على أنه سبحانه فاعل الخير والشر. الثاني: أنه تعالى نص على أن المقصود من هذا الاملاء هو أن يزدادوا الاثم والبغي والعدوان، وذلك يدل على أن الكفر والمعاصي بإرادة الله، ثم إنه تعالى أكد ذلك بقوله: * (ولهم عذاب مهين) * أي إنما نملي لهم ليزدادوا إثما وليكون لهم عذاب مهين. الثالث: أنه تعالى أخبر عنهم أنهم لا خير لهم في هذا الاملاء، أنهم لا يحصلون إلا على ازدياد البغي والطغيان، والاتيان بخلاف مخبر الله تعالى مع بقاء ذلك الخير جمع بين النقيضين وهو محال، وإذا لم يكونوا قادرين مع ذلك الاملاء على الخير والطاعة مع أنهم مكلفون بذلك لزم في نفسه بطلان مذهب القوم. قالت المعتزلة: