وريحان وجنة نعيم) * (الواقعة: 88 - 89) وفاء التعقيب تدل على أن هذا الروح والريحان والجنة حاصل عقيب الموت، وأما الخبر فقوله عليه الصلاة والسلام: " من مات فقد قامت قيامته " والفاء فاء التعقيب تدل على أن قيامة كل أحد حاصلة بعد موته، وأما القيامة الكبرى فهي حاصلة في الوقت المعلوم عند الله، وأيضا قوله عليه الصلاة والسلام: " القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار " وأيضا روي أنه عليه الصلاة والسلام يوم بدر كان ينادي المقتولين ويقول: " هل وجدتم ما وعد ربكم حقا " فقيل له: يا رسول الله إنهم أموات، فكيف تناديهم، فقال عليه الصلاة والسلام: " إنهم أسمع منكم " أو لفظا هذا معناه، وأيضا قال عليه الصلاة والسلام: " أولياء الله لا يموتون ولكن ينقلون من دار إلى دار " وكل ذلك يدل على أن النفوس باقية بعد موت الجسد.
وأما المعقول فمن وجوه: الأول: وهو أن وقت النوم يضعف البدن، وضعفه لا يقتضي ضعف النفس، بل النفس تقوى وقت النوم فتشاهد الأحوال وتطلع على المغيبات، فإذا كان ضعف البدن لا يوجب ضعف النفس، فهذا يقوي الظن في أن موت البدن لا يستعقب موت النفس. الثاني: وهو أن كثرة الأفكار سبب لجفاف الدماغ، وجفافه يؤدي إلى الموت، وهذه الأفكار سبب لاستكمال النفس بالمعارف الإلهية، وهو غاية كمال النفس، فما هو سبب في كمال النفس فهو سبب لنقصان البدن، وهذا يقوي الظن في أن النفس لا تموت بموت البدن. الثالث: أن أحوال النفس على ضد أحوال البدن، وذلك لأن النفس انما تفرح وتبتهج بالمعارف الإلهية، والدليل عليه قوله تعالى: * (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) * (الرعد: 28) وقال عليه الصلاة والسلام: " أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني " ولا شك أن ذلك الطعام والشراب ليس الا عبارة عن المعرفة والمحبة والاستنارة بأنوار عالم الغيب وأيضا، فانا نرى أن الانسان إذا غلب عليه الاستبشار بخدمة سلطان، أو بالفوز بمنصب، أو بالوصول إلى معشوقه، قد ينسى الطعام والشراب، بل يصير بحيث لو دعي إلى الأكل والشرب لوجد من قلبه نفرة شديدة منه، والعارفون المتوغلون في معرفة الله تعالى قد يجدون من أنفسهم أنهم إذا لاح لهم شيء من تلك الأنوار، وانكشف لهم شيء من تلك الاسرار، لم يحسوا البتة بالجوع والعطش وبالجملة فالسعادة النفسانية كالمضادة للسعادة الجسمانية، وكل ذلك يغلب على الظن أن النفس مستقلة بذاتها ولا تعلق لها بالبدن، وإذا كان كذلك وجب أن لا تموت النفس بموت البدن، ولتكن هذه الاقناعيات كافية في هذا المقام.
واعلم أنه متى تقررت هذه القاعدة زالت الاشكالات والشبهات عن كل ما ورد في القرآن من ثواب القبر وعذابه، وإذا عرفت هذه القاعدة فنقول: قال بعض المفسرين: أرواح الشهداء أحياء