رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخيل: زيد الخير، ومعنى " أحببت ": آثرت حب الخير على ذكر ربي، وكذلك قال غير الزجاج: " عن " بمعنى " على ". وقال بعضهم: يحتمل المعنى: فشغلني عن ذكر ربي. و قال أبو عبيدة: معنى [الكلام]: أحببت حبا، ثم أضاف الحب إلى الخير. وقال ابن قتيبة: سمى الخيل خيرا، لما فيها من الخير. والمفسرون على أن المراد بذكر ربه: صلاة العصر، قاله علي، وابن مسعود، وقتادة في آخرين. وقال الزجاج: لا أدري هل كانت صلاة العصر مفروضة، أم لا!، إلا أن اعتراضه الخيل شغله عن وقت كان يذكر الله فيه (حتى توارت بالحجاب) وأهل اللغة يقولون: يعني الشمس، ولم يجر لها ذكر، ولا أحسبهم أعطوا في هذا الفكر حقه، لأن في الآية دليلا على الشمس، وهو قوله: " بالعشي " ومعناه: عرض عليه بعد زوال الشمس حتى توارت الشمس بالحجاب، ولا يجوز الإضمار إلا أن يجري ذكر، أو دليل ذكر فيكون بمنزلة الذكر، وأما الحجاب، فهو ما يحجبها عن الأبصار.
قوله تعالى: (ردوها علي) قال المفسرون: لما شغله عرض الخيل عليه عن الصلاة، فصلاها بعد خروج وقتها، اغتم وغضب، وقال: " ردوها علي "، يعني: أعيدوا الخيل علي (فطفق) قال ابن قتيبة: أي أقبل (مسحا) قال الأخفش: أي: يمسح مسحا.
فأما السوق، فجمع ساق، مثل دور ودار. وهمز السؤق ابن كثير، قال أبو علي: وغير الهمز أحسن منه. وقرأ أبو عمران الجوني، وابن محيصن: " بالسؤوق " مثل الرؤوس. وفي المراد بالمسح هاهنا ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه ضربها بالسيف. روى أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: " فطفق مسحا بالسوق والأعناق " قال: " بالسيف ". وروى مجاهد عن ابن عباس قال: مسح أعناقها وسوقها بالسيف. وقال الحسن، وقتادة، وابن السائب: قطع أعناقها وسوقها، وهذا اختيار السدي، ومقاتل، والفراء، وأبي عبيدة، والزجاج، وابن قتيبة، وأبي سليمان الدمشقي، والجمهور.
والثاني: أنه جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حبا لها، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. وقال مجاهد: مسحها بيده، وهذا اختيار ابن جرير، والقاضي أبي يعلى.
والثالث: أنه كوى سوقها وأعناقها وحبسها في سبيل الله تعالى، حكاه الثعلبي.
والمفسرون على القول الأول، وقد اعترضوا القول الثاني، وقالوا: أي مناسبة بين شغلها إياه عن الصلاة وبين مسح أعرافها حبا لها؟! ولا أعلم قوله: " حبا لها " يثبت عن ابن عباس. وحملوا قول مجاهد " مسحها بيده " أي: تولى ضرب أعناقها.
فان قيل: فالقول الأول يفسد بأنه لا ذنب للحيوان، فكيف وجه العقوبة إليه وقصد التشفي