غسقت العين والجرح. وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي عن ابن قتيبة قال: لم يكن أبو عبيدة يذهب إلى أن في القرآن شيئا من غير لغة العرب، وكان يقول: هو اتفاق يقع بين اللغتين، وكان غيره يزعم أن الغساق: البارد المنتن بلسان الترك. وقيل: فعال، من غسق يغسق، فعلى هذا يكون عربيا، وقيل في معناه: إنه الشديد البرد، يحرق من برده. وقيل: هو ما يسيل من جلود أهل النار من الصديد.
قوله تعالى: (و آخر) قرأ أبو عمرو، والمفضل: " وأخر " بضم الهمزة من غير مد، فجمعا لأجل نعته بالأزواج، وهي جمع. وقرأ الباقون بفتح الألف ومده على التوحيد، واحتجوا بأن العرب تنعت الاسم إذا كان فعلا بالقليل والكثير، قال الفراء: تقول: عذاب فلان ضروب شتى، وضربان مختلفان، وإن شئت جعلت الأزواج نعتا للحميم والغساق والآخر، فهن ثلاثة، والأشبه أن تجعله صفة لواحد. وقال الزجاج: من قرأ " وآخر " بالمد فالمعنى: وعذاب آخر (من شكله) أي: مثل الأول. ومن قرأ: " وأخر " فالمعنى: وأنواع أخر، لأن قوله: (أزواج) بمعنى أنواع. فقال ابن قتيبة: " من شكله " أي: من نحوه، " أزواج " أي: أصناف. وقال ابن جرير: " من شكله " أي:
من نحو الحميم. قال ابن مسعود في قوله: " وآخر من شكله ": هو الزمهرير. وقال الحسن: لما ذكر الله تعالى العذاب الذي يكون في الدنيا، قال: " وآخر من شكله " أي: وآخر لم ير في الدنيا.
قوله تعالى: (هذا فوج) هذا قول الزبانية للقادة المتقدمين في الكفر إذا جاؤوهم بالأتباع.
وقيل: بل هو قول الملائكة لأهل النار كلما جاؤوهم بأمة بعد أمة. والفوج: الجماعة من الناس وجمعه: أفواج. والمقتحم: الداخل في الشئ رميا بنفسه. قال ابن السائب: إنهم يضربون بالمقامع، فيلقون أنفسهم في النار ويثبون فيها خوفا من تلك المقامع. فلما قالت الملائكة ذلك لأهل النار، قالوا: لا مرحبا بهم، فاتصل الكلام كأنه قول واحد، وإنما الأول من قول الملائكة، والثاني من قول أهل النار، وقد بينا مثل هذا في قوله: (ليعلم إني لم أخنه بالغيب) والرحب والرحب: السعة. والمعنى: لا اتسعت بهم مساكنهم. قال أبو عبيدة: تقول العرب للرجل: لا مرحبا [بك] أي: لا رحبت عليك الأرض. وقال ابن قتيبة: معنى قولهم: " مرحبا وأهلا " أي: أتيت الأرض. أي: سعة، و أهلا، أي: أتيت أهلا لا غرباء فائنس و لا تستوحش، و سهلا، أي: أتيت سهلا لا حزنا، وهو في مذهب الدعاء، كما تقول: لقيت خيرا. قال الزجاج: و " مرحبا " منصوب بقوله: رحبت بلادك مرحبا، وصادفت مرحبا، فأدخلت " لا " على ذلك المعنى.
قوله تعالى: (إنهم صالوا النار) أي: داخلوها كما دخلناها ومقاسون حرها. فأجابهم القوم، ف (قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا) إن قلنا: إنه قول الأمة المتأخرة للأمة المتقدمة، فالمعنى: أنتم شرعتم لنا الكفر و بدأتم به قبلنا، فدخلتم النار قبلنا (فبئس القرار) أي: بئس