الفراء: الإضافة أعجب إلي في العربية، لأنه فزع معلوم، ألا ترى إلى قوله: (لا يحزنهم الفزع الأكبر) فصيره معرفة، فإذا أضفت مكان المعرفة. كان أحب إلي واختار أبو عبيدة قراءة التنوين وقال: هي أعم التأويلين، فيكون الأمن من جميع فزع ذلك اليوم. قال أبو علي الفارسي: إذا نون جاز أن يعنى به فزع واحد، وجاز أن يعنى به الكثرة، لأنه مصدر، والمصادر تدل على الكثرة وإن كانت مفردة الألفاظ، كقوله: (إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) وكذلك إذا أضيف جاز أن يعنى به فزع واحد، وجاز أن يعنى به الكثرة، وعلى هذا القول، القراءتان سواء، فإن أريد به الكثرة، فهو شامل لكل فزع يكون يوم القيامة، وإن أريد به الواحد، فهو المشار إليه بقوله: (لا يحزنهم الفزع الأكبر). وقال ابن السائب: إذا أطبقت النار على أهلها فزعوا فزعة لم يفزعوا مثلها، وأهل الجنة آمنون من ذلك الفزع.
قوله تعالى: (ومن جاء بالسيئة) قال المفسرون: هي الشرك (فكبت وجوههم) يقال: كببت الرجل: إذا ألقيته لوجهه، وتقول لهم خزنة جهنم: (هل تجزون إلا ما كنتم تعملون) أي: إلا جزاء ما كنتم تعملون في الدنيا من الشرك.
إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شئ وأمرت أن أكون من المسلمين (91) وأن أتلوا القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين (92) وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون (93) قوله تعالى: (إنما أمرت) المعنى: قل للمشركين: إنما أمرت (أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها) وقرأ ابن مسعود، وأبو عمران الجوني: " التي حرمها " وهي مكة، وتحريمها: تعظيم حرمتها بالمنع من القتل فيها والسبي والكف عن صيدها وشجرها، (وله كل شئ) لأنه خالقه ومالكه، (وأمرت أن أكون من المسلمين) أي: المخلصين لله بالتوحيد، (وأن أتلو القرآن) عليكم (فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه) أي: فله ثواب اهتدائه (ومن ضل) أي: أخطأ طريق الهدى (فقل إنما أنا من المنذرين) أي: ليس علي إلا البلاغ، وذكر المفسرون أن هذا منسوخ بآية السيف. (وقل الحمد لله) أي: قل لمن ضل: الحمد لله الذي وفقنا لقبول ما امتنعتم منه (سيريكم آياته) و متى يريهم؟ فيه قولان: