قوله تعالى: (ولقد صرفناه) يعني المطر (بينهم) مرة لهذه البلدة، ومرة لهذه (ليذكروا) أي: ليتفكروا في نعم الله عليهم فيه فيحمدوه. وقرأ حمزة، والكسائي: " ليذكروا " خفيفة الذال.
قال أبو علي: يذكر في معنى يتذكر، (فأبى أكثر الناس إلا كفورا) وهم الذين يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، كفروا بنعمة الله. (ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا) المعنى: إنا بعثناك إلى جميع القرى لعظم كرامتك، (فلا تطع الكافرين)، وذلك أن كفار مكة دعوه إلى دين آبائهم، (وجاهدهم به) أي بالقرآن (جهادا كبيرا) أي: تاما شديدا.
* وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا (53) وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا (54) ويعبدون من دون الله مالا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا (55) قوله تعالى: (هو الذي مرج البحرين) قال الزجاج: أي: خلى بينهما، تقول: مرجت الدابة وأمرجتها: إذا خليتها ترعى، ومنه الحديث: " مرجت عهودهم وأماناتهم " أي: اختلطت. قال المفسرون: والمعنى أنه أرسلهما في مجاريهما، فهما يلتقيان، ولا يختلط الملح بالعذب، ولا العذب بالملح، وهو قوله تعالى: (هذا) يعني: أحد البحرين (عذب) أي: طيب، يقال: عذب الماء يعذب عذوبة، فهو عذب. قال الزجاج: والفرات صفة للعذب، وهو أشد الماء عذوبة، والأجاج صفة للملح، وهو: المر الشديد المرارة. وقال ابن قتيبة: هو أشد الماء ملوحة، وقيل: هو الذي يخالطه مرارة، ويقال ماء ملح، ولا يقال مالح، والبرزخ: الحاجز: وفي هذا الحاجز قولان:
أحدهما: أنه مانع من قدرة الله تعالى، قاله الأكثرون، قال الزجاج: فهما في مرأى العين مختلطان، وفي قدرة الله منفصلان لا يختلط أحدهما بالآخر. قال أبو سليمان الدمشقي: ورأيت عند عبدان من سواد البصرة الماء العذب ينحدر في دجلة نحو البحر، ويأتي المد من البحر، فيلتقيان، فلا يختلط أحد الماءين بالآخر، يرى ماء البحر إلى الخضرة الشديدة، و ماء دجلة عذبا لا يخالطه شئ، وإلى جانبه ماء البحر في مكان واحد.
والثاني: أن الحاجز: الأرض واليابس، وهو قول الحسن، والأول أصح.
قوله تعالى: (وحجرا محجورا) قال الفراء، أي: حراما محرما أن يغلب أحدهما صاحبه.
قوله تعالى: (هو الذي خلق من الماء بشرا) أي: إنسانا (فجعله نسبا وصهرا) أي: ذا نسب وصهر. قال علي [رضي الله عنه]: النسب: ما لا يحل نكاحه، والصهر: ما يحل نكاحه.