اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا (14) ثم أخبر أنه لو شاء لأعطاه خيرا مما قالوا في الدنيا، وهو قوله: (خيرا من ذلك) يعني: لو شئت لأعطيتك في الدنيا خيرا مما قالوا، لأنه قد شاء أن يعطيه ذلك في الآخرة. (ويجعل لك قصورا) قرأ ابن كثير، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: " ويجعل لك " برفع اللام. وقرأ أبو عمرو، ونافع، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: " ويجعل " بجزم اللام. فمن قرأ بالجزم، كان المعنى: إن يشأ يجعل لك جنات ويجعل لك قصورا. ومن رفع، فعلى الاستئناف المعنى: وسيجعل لك قصورا في الآخرة. وقد سبق معنى " اعتدنا " ومعنى " السعير ".
قوله تعالى: (إذ رأتهم من مكان بعيد) قال السدي عن أشياخه: من مسيرة مائة عام.
فإن قيل: السعير مذكر، فكيف قال: " إذا رأتهم "؟ فالجواب: أنه أراد بالسعير النار.
قوله تعالى: (سمعوا لها تغيظا) فيه قولان:
أحدهما: غليان تغيظ، قاله الزجاج. قال المفسرون: والمعنى أنها تتغيظ عليهم، فيسمعون صوت تغيظها وزفيرها كالغضبان إذا غلا صدره من الغيظ.
و الثاني: يسمعون فيها تغيظ المعذبين وزفيرهم، حكاه ابن قتيبة.
قوله تعالى: (وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين) قال المفسرون: تضيق عليهم كما يضيق الزج على الرمح، وهم قد قرنوا مع الشياطين. والثبور: الهلكة. وقرأ عاصم الجحدري، وابن السميفع: " ثبورا " بفتح الثاء.
قوله تعالى: (وادعوا ثبورا كثيرا) قال الزجاج: الثبور مصدر، فهو للقليل والكثير على لفظ الواحد، كما تقول: ضربته ضربا كثيرا، والمعنى: هلاكهم أكثر من أن تدعوا مرة واحدة. وروى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: " أول من يكسى من أهل النار يوم القيامة إبليس، يكسى حلة من النار فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه وذريته خلفه وهو يقول: وا ثبوراه، وهم ينادون: يا ثبورهم، حتى يقفوا على النار، فينادي: يا ثبوراه، وينادون: يا ثبورهم، فيقول الله عز وجل: (لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا).
قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا (15) لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسؤلا (16)