ولذلك أسكن من أسكن، والمعنى: ليتني اتبعته فاتخذت معه طريقا إلى الهدى.
قوله تعالى: (يا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا) في المشار إليه أربعة أقوال:
أحدها: أنه عنى أبي بن خلف، قاله ابن عباس.
والثاني: عقبة بن أبي معيط، قاله أبو مالك.
والثالث: الشيطان، قاله مجاهد.
والرابع: أمية بن خلف، قاله السدي.
فإن قيل: إنما يكنى من يخاف المبادأة أو يحتاج إلى المداجاة، فما وجه الكناية؟
فالجواب: أنه أراد بالظالم: كل ظالم، وأراد بفلان: كل من أطيع في معصية الله وأرضي بسخط الله، وإن كانت الآية نزلت في شخص، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى: (لقد أضلني عن الذكر) أي: صرفني عن القرآن والإيمان به (بعد إذ جاءني) مع الرسول، وهاهنا تم الكلام. ثم قال الله تعالى: (وكان الشيطان للإنسان) يعني: الكافر (خذولا) يتبرأ منه في الآخرة.
وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا (30) وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا (31) قوله تعالى: (وقال الرسول) يعني محمدا صلى الله عليه و آله وسلم، وهذا عند كثير من العلماء أنه يقوله يوم القيامة، فالمعنى: ويقول الرسول يومئذ. وذهب آخرون، منهم مقاتل، إلى أن الرسول قال ذلك شاكيا من قومه إلى الله تعالى حين كذبوه. وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: " إن قومي اتخذوا " بتحريك الياء، وأسكنها عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي.
وفى المراد بقوله: (مهجورا) قولان:
أحدهما: متروكا لا يلتفتون إليه ولا يؤمنون به، وهذا معنى قول ابن عباس، ومقاتل.
والثاني: هجروا فيه، أي: جعلوه كالهذيان، ومنه يقال: فلان يهجر في منامه، أي: يهذي، قاله ابن قتيبة. وقال الزجاج: الهجر: ما لا ينتفع به من القول: قال المفسرون: فعزا الله عز وجل، فقال: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا) أي: كما جعلنا لك أعداء من مشركي قومك، جعلنا لكل نبي عدوا من كفار قومه، والمعنى: لا يكبرن هذا عليك، فلك بالأنبياء أسوة، (وكفى بربك هاديا)