قال ابن مسعود، وابن عباس في قوله " وعزني في الخطاب ": ما زاد على أن قال: انزل لي عنها. وروى العوفي عن ابن عباس قال: إن دعوت ودعا كان أكثر، وإن بطشت وبطش كان أشد مني.
فطن قيل: كيف قال الملكان هذا، وليس شئ منه موجودا عندهما؟
فالجواب: أن العلماء قالوا: إنما هذا على سبيل المثل والتشبيه بقصة داود، وتقدير كلامهما: ما تقول إن جاءك خصمان فقالا كذا وكذا؟ وكان داود لا يرى أن عليه تبعة فيما فعل، فنبهه الله بالملكين. وقال ابن قتيبة: هذا مثل ضربه الله له ونبهه على خطيئته. وقد ذكرنا آنفا أن المعنى: نحن كخصمين.
قوله تعالى: (قال) يعني داود (لقد ظلمك بسؤال نعجتك) قال الفراء: أي: بسؤاله نعجتك، فإذا ألقيت الهاء من السؤال، أضفت الفعل إلى النعجة، ومثله: (لا يسأم الإنسان من دعاء الخير)، أي: من دعائه بالخير، فلما ألقى الهاء، أضاف الفعل إلى الخير، وألقى من الخير الباء، وأنشدوا:
فلست مسلما ما دمت حيا * على زيد بتسليم الأمير أي: بتسليم على الأمير.
قوله تعالى: (إلى نعاجه) أي: ليضمها إلى نعاجه. قال ابن قتيبة: المعنى: بسؤال نعجتك مضمومة إلى نعاجه، فاختصر. قال: ويقال " إلى " بمعنى " مع ".
فإن قيل: كيف حكم داود قبل أن يسمع كلام الآخر؟
فالجواب: أن الخصم الآخر اعترف، فحكم عليه باعترافه، وحذف ذكر الاعتراف اكتفاء بفهم السامع، والعرب تقول: أمرتك بالتجارة فكسبت الأموال، أي: فاتجرت فكسبت، ويدل عليه قول السدي: إن داود قال للخصم الآخر: ما تقول؟ قال: نعم، أريد أن آخذها منه فأكمل بها نعاجي وهو كاره، قال: إذا لا ندعك، وإن رمت هذا ضربنا منك هذا - ويشير إلى أنفه وجبهته - فقال: أنت يا داود أحق أن يضرب هذا منك حيث لك تسع وتسعون امرأة، ولم يكن لأوريا إلا واحدة، فنظر داود فلم ير أحدا، فعرف ما وقع فيه.
قوله تعالى: (و إن كثيرا من الخلطاء) يعني الشركاء، واحدهم: خليط، وهو المخالط في المال وإنما قال هذا، لأنه ظنهما شريكين، (إلا الذين آمنوا) أي: فإنهم لا يظلمون أحدا، (وقليل ما هم) " ما " زائدة، والمعنى: وقليل هم، وقيل: المعنى: هم قليل، يعني