ثم أخبر أن ما قدره عليهم لا يدفع بقوله [تعالى]: (من ذا الذي يعصمكم من الله) أي: يجيركم ويمنعكم منه (إن أراد بكم سوءا) وهو الإهلاك والهزيمة والبلاء (أو أراد بكم رحمة) وهي النصر والعافية والسلامة (ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا) أي: لا يجدون مواليا ولا ناصرا يمنعهم من مراد الله [عز و جل] فيهم.
قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا (18) أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا (19) يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بأدون في الأعراب يسئلون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا (20) لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا (21) ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما (22) قوله تعالى: (قد يعلم الله المعوقين منكم) في سبب نزولها قولان:
أحدهما: أن رجلا انصرف من عند رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يوم الأحزاب، فوجد أخاه لأبيه و أمه وعنده شواء ونبيذ، فقال له: أنت هاهنا ورسول الله بين الرماح والسيوف؟! فقال: هلم إلي، لقد أحيط بك وبصاحبك، والذي يحلف به لا يستقبلها محمد أبدا، فقال له: كذبت، والذي يحلف به، أما والله لأخبرن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بأمرك، فذهب إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ليخبره، فوجده قد نزل جبريل بهذه الآية إلى قوله [تعالى]: (يسيرا)، هذا قول ابن زيد.
والثاني: أن عبد الله بن أبي ومعتب بن قشير والمنافقين الذين رجعوا من الخندق إلى المدينة، كانوا إذا جاءهم منافق قالوا له: ويحك اجلس فلا تخرج، ويكتبون بذلك إلى إخوانهم الذين في العسكر أن ائتونا بالمدينة فانا ننتظركم - يثبطونهم عن القتال - وكانوا لا يأتون العسكر إلا