تكونوا تعقلون؟)، فالمعنى: قد رأيتم آثار الهالكين قبلكم بطاعة الشيطان، أفلم تعقلوا ذلك؟! وقرأ ابن عباس، وأبو رزين، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو رجاء، ومجاهد، وابن يعمر: " أفلم يكونوا يعقلون " بالياء فيهما، فإذا أدنوا إلى جهنم قيل لهم: (هذه جهنم التي كنتم توعدون) بها في الدنيا (اصلوها) أي: قاسوا حرها.
اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون (65) ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون (66) ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون (67) ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون (68) قوله تعالى: (اليوم نختم على أفواهم) وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء: " يختم " بياء مضمومة وفتح التاء (و تكلمنا) قرأ ابن مسعود: " ولتكلمنا " بزيادة لام مكسورة وفتح الميم وواو قبل اللام. وقرأ أبي بن كعب، وابن أبي عبلة: " لتكلمنا " بلام مكسورة من غير واو قبلها وبنصب الميم، وقرأوا جميعا: " و لتشهد أرجلهم " بلام مكسورة وبنصب الدال.
ومعنى " نختم ": نطبع عليها، وقيل: منعها من الكلام هو الختم عليها، وفي سبب ذلك أربعة أقوال:
أحدها: أنهم لما قالوا: (و الله ربنا ما كنا مشركين) ختم الله على أفواههم ونطقت جوارحهم، قاله أبو موسى الأشعري.
والثاني: ليعلموا أن أعضاءهم التي كانت أعوانا لهم على المعاصي صارت شهودا عليهم.
والثالث: ليعرفهم أهل الموقف، فتميزوا منهم بذلك.
والرابع: لأن إقرار الجوارح أبلغ في الإقرار من نطق اللسان، ذكرهن الماوردي.
فإن قيل: ما الحكمة في تسمية نطق اليد كلاما ونطق الرجل شهادة؟
فالجواب: أن اليد كانت مباشرة والرجل حاضرة، وقول الحاضر على غيره شهادة بما رأى، وقول الفاعل على نفسه إقرار بما فعل.