إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين (85) وما كنت ترجوا أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين (86) ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين (87) ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شئ هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون (88) قوله تعالى: (إن الذي فرض عليك القرآن) قال مقاتل: خرج رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من الغار ليلا، فمضى من وجهه إلى المدينة فسار في غير الطريق مخافة الطلب، فلما أمن رجع إلى الطريق فنزل الجحفة بين مكة والمدينة، فعرف الطريق إلى مكة، فاشتاق إليها، وذكر مولده، فأتاه جبريل فقال: أتشتاق إلى بلدك ومولدك؟ قال: نعم، قال: فإن الله تعالى يقول: (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد)، فنزلت هذه الآية بالجحفة.
وفى معنى (فرض عليك القرآن) ثلاثة أقوال:
أحدها: فرض عليك العمل بالقرآن، قاله عطاء بن أبي رباح، وابن قتيبة.
والثاني: أعطاك القرآن، قاله مجاهد.
والثالث: أنزل عليك القرآن، قاله مقاتل، والفراء، وأبو عبيدة.
وفي قوله تعالى: (لرادك إلى معاد) ثلاثة أقوال:
أحدها: إلى مكة، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد في رواية، والضحاك. قال ابن قتيبة: معاد الرجل: بلده، لأنه يتصرف ثم يعود إلى بلده.
والثاني: إلى معادك من الجنة، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال الحسن، والزهري. فإن اعترض على هذا فقيل: الرد يقتضي أنه قد كان فيما رد إليه، فعنه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنه لما كان أبوه آدم في الجنة ثم أخرج، كان كأن ولده أخرج منها، فإذا دخلها فكأنه أعيد.
والثاني: أنه دخلها ليلة المعراج، فإذا دخلها يوم القيامة رد إليها، ذكرهما ابن جرير.
والثالث: أن العرب تقول: رجع الأمر إلى كذا، وإن لم يكن له كون فيه قط، وأنشدوا:
يحور رمادا بعد إذ هو ساطع وقد شرحنا هذا في قوله (و إلى الله ترجع الأمور) عن ابن عباس، وبه قال أبو سعيد الخدري.