والثالث: نزلت في ناس من المنافقين بمكة، كانوا يؤمنون، فإذا أوذوا أو أصابهم بلاء من المشركين رجعوا إلى الشرك، قاله الضحاك.
والرابع: أنها نزلت في عياش بن أبي ربيعة، كان أسلم، فخاف على نفسه من أهله وقومه، فخرج من مكة هاربا إلى المدينة، وذلك قبل قدوم رسول الله [صلى الله عليه و آله و سلم] إلى المدينة، فجزعت أمه فقالت لأخويه أبي جهل والحارث ابني هشام - وهما أخواه لأمه -: والله لا آوي بيتا ولا آكل طعاما ولا أشرب شرابا حتى تأتياني به، فخرجا في طلبه فظفرا به، فلم يزالا به حتى تابعهما وجاءا به إليها، فقيدته، وقالت: والله لا أحلك من وثاقك حتى تكفر بمحمد، ثم أقبلت تجلده وتعذبه حتى كفر بمحمد عليه السلام جزعا من الضرب، فنزلت فيه هذه الآية، ثم هاجر بعد وحسن إسلامه، هذا قول ابن السائب، ومقاتل. وفي رواية عن مقاتل أنهما جلداه في الطريق مائتي جلدة، فتبرأ من دين محمد، فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى: (فإذا أوذي في الله) أي: ناله أذى أو عذاب بسبب إيمانه (جعل فتنة الناس) أي: ما يصيبه من عذابهم في الدنيا (كعذاب الله) في الآخرة، وإنما ينبغي أن يصبر على الأذى في الله تعالى لما يرجو من ثوابه (ولئن جاء نصر من ربك) يعني دولة للمؤمنين (ليقولن) يعني المنافقين للمؤمنين (إنا كنا معكم) على دينكم، فكذبهم الله تعالى وقال:
(أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين) من الإيمان والنفاق. وقد فسرنا الآية التي تلي هذه في أول السورة.
وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شئ إنهم لكاذبون (12) وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسئلن يوم القيامة عما كانوا يفترون (13) قوله تعالى: (اتبعوا سبيلنا) يعنون: ديننا. قال مجاهد: هذا قول كفار قريش لمن آمن من أهل مكة، قالوا لهم: لا نبعث نحن ولا أنتم فاتبعونا، فإن كان عليكم شئ فهو علينا.
قوله تعالى: (و لنحمل خطاياكم) قال الزجاج: هو أمر في تأويل الشرط والجزاء، يعني إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم. وقال الأخفش: كأنهم أمروا أنفسهم بذلك. وقرأ الحسن: " ولنحمل " بكسر اللام. قال ابن قتيبة: الواو زائدة، والمعنى: لنحمل خطاياكم.