خلص إليهم الكرب، وكان نعيم بن مسعود الأشجعي قد أسلم، فمشى بين قريش وقريظة وغطفان فخذل بينهم، فاستوحش كل منهم من صاحبه، واعتلت قريظة بالسبت فقالوا: لا يقاتل فيه، وهبت ليلة السبت ريح شديدة، فقال أبو سفيان: يا معشر قريش، إنكم والله لستم بدار مقام، لقد هلك الخف والحافر، وأجدب الجناب، وأخلفتنا قريظة، ولقينا من الريح ما ترون، فارتحلوا فإني مرتحل، فأصبحت العساكر قد أقشعت كلها، قال مجاهد: والريح التي أرسلت عليهم هي الصبا، حتى أكفأت قدورهم، " ونزعت فساطيطهم. والجنود: الملائكة، ولم تقاتل يومئذ.
وقيل: إن الملائكة جعلت تقلع أوتادهم وتطفئ نيرانهم وتكبر في جوانب عسكرهم، فاشتدت عليهم، فانهزموا من غير قتال.
قوله تعالى: (لم تروها) وقرأ النخعي، والجحدري، والجوني، وابن السميفع: " لم يروها " بالياء (و كان الله بما تعملون بصيرا) وقرأ أبو عمرو: " يعملون " بالياء.
إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا (10) هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا (11) وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا (12) قوله تعالى: (إذ جاؤوكم من فوقكم) أي: من فوق الوادي ومن أسفله (وإذا زاغت الأبصار) أي: مالت وعدلت، فلم تنظر إلى شئ إلا إلى عدوها مقبلا من كل جانب (وبلغت القلوب الحناجر) وهي جمع حنجرة. والحنجرة: جوف الحلقوم. قال قتادة: شخصت عن مكانها، فلولا أنه ضاق الحلقوم عنها أن تخرج لخرجت. قال غيره: المعنى أنهم جبنوا وجزع أكثرهم، وسبيل الجبان إذا اشتد خوفه أن تنتفخ رئته فيرتفع حينئذ القلب إلى الحنجرة، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس والفراء. وذهب ابن قتيبة إلى أن المعنى: كادت القلوب تبلغ الحلوق من الخوف وقال ابن الأنباري: " كاد " لا يضمر ولا يعرف معناه إذا لم ينطق به.
قوله تعالى: (وتظنون بالله الظنونا) قال الحسن: اختلفت ظنونهم، و ظن المنافقون أن محمدا [عليه السلام] وأصحابه يستأصلون، وظن المؤمنون أنه ينصر.