قوله تعالى: (إنا جعلناها فتنة للظالمين) يعني للكافرين، وفي المراد بالفتنة ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه لما ذكر أنها في النار، افتتنوا وكذبوا، فقالوا: كيف يكون في النار شجرة، والنار تأكل الشجر؟، فنزلت هذه الآية، قاله قتادة، وقال السدي: فتنة لأبي جهل وأصحابه.
والثاني: أن الفتنة بمعنى العذاب، قاله ابن قتيبة.
والثالث: أن الفتنة بمعنى الاختبار، اختبروا بها فكذبوا، قاله الزجاج.
قوله تعالى: (تخرج في أصل الجحيم) أي: في قعر النار. قال الحسن: أصلها في قعر النار، وأغصانها ترتفع إلى دركاتها. (طلعها) أي: ثمرها، وسمي طلعا، لطلوعه (كأنه رؤوس الشياطين). فإن قيل: كيف شبهها بشئ لم يشاهد؟ فعنه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنه قد استقر في النفوس قبح الشياطين - وإن لم تشاهد - فجاز تشبيهها بما قد علم قبحه، قال امرؤ القيس:
أيقتلني والمشرفي مضاجعي * ومسنونة زرق كأنياب أغوال قال الزجاج: هو لم ير الغول ولا أنيابها، ولكن التمثيل بما يستقبح أبلغ في باب المذكر أن يمثل بالشياطين، وفي باب المؤنث أن يشبه بالغول.
والثاني: أن بين مكة واليمن شجر يسمى: رؤوس الشياطين، فشبهها بها، قاله ابن السائب.
والثالث: أنه أراد بالشياطين: حيات لها رؤوس ولها أعراف، فشبه طلعها برؤوس الحيات، ذكره الزجاج. قال الفراء: والعرب تسمي بعض الحيات شيطانا، وهو حية ذو عرف قبيح الوجه.
قوله تعالى: (فإنهم لآكلون منها) أي: من ثمرها (فمالئون منها البطون) وذلك أنهم يكرهون على أكلها حتى تمتلئ بطونهم.
(ثم إن لهم عليها لشوبها من حميم) قال ابن قتيبة: أي: لخلطا من الماء الحار يشربونه عليها. قال أبو عبيدة: تقول العرب: كل شئ خلطته بغيره فهو مشوب. قال المفسرون: إذا أكلوا الزقوم ثم شربوا عليه الحميم، شاب الحميم الزقوم في بطونهم فصار شوبا له.
(ثم إن مرجعهم) أي: بعد أكل الزقوم وشرب الحميم (لإلى الجحيم) وذلك أن الحميم خارج من الجحيم، فهم يوردونه كما تورد الإبل الماء، ثم يردون إلى الجحيم، ويدل على هذا قوله: (يطوفون بينها وبين حميم آن) و (ألفوا) بمعنى وجدوا. و (يهرعون)