قوله تعالى: (سيروا فيها) والمعنى: وقلنا لهم: سيروا فيها (ليالي وأياما) أي: ليلا ونهارا (آمنين) من مخاوف السفر من جوع أو عطش أو سبع أو تعب. وكانوا يسيرون أربعة أشهر في أمان، فبطروا النعمة وملوها كما مل بنو إسرائيل المن والسلوى (فقالوا ربنا بعد بين أسفارنا) قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: " بعد " بتشديد العين وكسرها. وقرأ نافع، وعاصم، وحمزة: " باعد " بألف وكسر العين. وعن ابن عباس كالقراءتين. قال ابن عباس: إنهم قالوا: لو كانت جناتنا أبعد مما هي، كان أجدر أن يشتهى جناها. قال أبو سليمان الدمشقي: لما ذكرتهم الرسل نعم الله، أنكروا أن يكون ما هم فيه نعمة، وسألوا الله أن يباعد بين أسفارهم. وقرأ يعقوب: " ربنا " برفع الباء " باعد " بفتح العين والدال، جعله فعلا ماضيا على طريق الإخبار للناس بما أنزله الله [عز وجل] بهم. وقرأ علي بن أبي طالب، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو رجاء، وابن السميفع، وابن أبي عبلة: " بعد " برفع العين وتخفيفها وفتح الدال من غير ألف، على طريق الشكاية إلى الله عز وجل. وقرأ عاصم الجحدري، وأبو عمران الجوني: " بوعد " برفع الباء وبواو ساكنة مع كسر العين.
قوله تعالى: (وظلموا أنفسهم) فيه قولان:
أحدهما: بالكفر وتكذيب الرسل.
والثاني: بقولهم: " بعد بين أسفارنا ".
(فجعلناهم أحاديث) لمن بعدهم يتحدثون بما فعل بهم (ومزقناهم كل ممزق) أي: فرقناهم في كل وجه من البلاد كل التفريق، لأن الله لما غرق مكانهم وأذهب جنتيهم تبددوا في البلاد، فصارت العرب تتمثل في الفرقة بسبأ (إن في ذلك) أي: فيما فعل بهم (لآيات) أي: لعبرا (لكل صبار) عن معاصي الله (شكور) لنعمه.
قوله تعالى: (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه) " عليهم " بمعنى " فيهم "، وصدقه في ظنه أنه ظن بهم أنهم يتبعونه إذ أغواهم، فوجدهم كذلك. وإنما قال: (ولأضلنهم ولأمنينهم) بالظن، لا بالعلم، فمن قرأ: " صدق " بتشديد الدال، فالمعنى: حقق ما ظنه فيهم بما فعل بهم، ومن قرأ بالتخفيف، فالمعنى: صدق عليهم في ظنه بهم. و في المشار إليهم قولان:
أحدهما: أنهم أهل سبأ.
والثاني: سائر المطيعين لإبليس.
قوله تعالى: (وما كان له عليهم من سلطان) قد شرحناه في قوله [تعالى]: (ليس لك عليهم سلطان). قال الحسن: والله ما ضربهم بعصا ولا قهرهم على شئ، إلا أنه دعاهم إلى الأماني والغرور.