العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون (33) قوله تعالى: (وقال الذين كفروا) يعني مشركي مكة (لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه) يعنون التوراة والإنجيل، وذلك أن مؤمني أهل الكتاب قالوا: إن صفة محمد في كتابنا، فكفر أهل مكة بكتابهم.
ثم أخبر عن حالهم في القيامة فقال: (ولو ترى إذ الظالمون) يعني مشركي مكة (موقوفون عند ربهم) في الآخرة (يرجع بعضهم إلى بعض القول) أي: يرد بعضهم على بعض في الجدال واللوم (يقول الذين استضعفوا) وهم الأتباع (للذين استكبروا) وهم الأشراف والقادة: (لولا أنتم لكنا مؤمنين) أي: مصدقين بتوحيد الله، والمعنى: أنتم منعتمونا عن الإيمان، فأجابهم المتبوعون فقالوا: (أنحن صددناكم عن الهدى) أي: منعناكم عن الإيمان (بعد إذ جاءكم) به الرسول؟ (بل كنتم مجرمين) بترك الإيمان - وفي هذا تنبيه للكفار على أن طاعة بعضهم لبعض في الدنيا تصير سببا للعداوة في الآخرة - فرد عليهم الأتباع فقالوا: (بل مكر الليل والنهار) أي: بل مكركم بنا في الليل والنهار. قال الفراء: وهذا مما تتوسع فيه العرب لوضوح معناه، كما يقولون: ليله قائم، ونهاره صائم، فتضيف الفعل إلى غير الآدميين، والمعنى لهم: وقال الأخفش: وهذا كقوله [تعالى]: (من قريتك التي أخرجتك) قال جرير:
لقد لمتنا يا أم غيلان في السري * ونمت وما ليل المطي بنائم وقرا سعيد بن جبير، وأبو الجوزاء، وعاصم الجحدري: " بل مكر " بفتح الكاف والراء " الليل والنهار " برفعهما. وقرأ ابن يعمر: " بل مكر " باسكان الكاف ورفع الراء وتنوينها " الليل والنهار " بنصبهما.
قوله تعالى: (إذ تأمروننا أن نكفر بالله) وذلك أنهم كانوا يقولون لهم: إن ديننا حق ومحمد كذاب، (و أسروا الندامة) وقد سبق بيانه في يونس.
قوله تعالى: (و جعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا) إذا دخلوا جهنم غلت أيديهم إلى أعناقهم، وقالت لهم خزنة جهنم: هل تجزون إلا ما كنتم تعملون في الدنيا. قال أبو عبيدة: مجاز " هل " هاهنا مجاز الإيجاب، وليس باستفهام، والمعنى: ما تجزون إلا ما كنتم تعملون.