القول في تأويل قوله تعالى: غير متجانف لاثم.
يعني بذلك جل ثناؤه: فمن اضطر في مخمصة إلى أكل ما حرمت عليه منكم أيها المؤمنون من الميتة والدم ولحم الخنزير وسائر ما حرمت عليه بهذه الآية. غير متجانف لاثم يقول: لا متجانفا لاثم، فلذلك نصب غير لخروجها من الاسم الذي في قوله:
فمن اضطر وبمعنى إلا، فنصب بالمعنى الذي كان به منصوبا المتجانف لو جاء الكلام: إلا متجانفا. وأما المتجانف للإثم، فإنه المتمايل له، المنحرف إليه، وهو في هذا الموضع مراد به المتعمد له القاصد إليه، من جنف القوم علي إذا مالوا، وكل أعوج فهو أجنف عند العرب وقد بينا معنى الجنف بشواهده في قوله: فمن خاف من موص جنفا بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وأما تجانف آكل الميتة في أكلها وفي غيرها مما حرم الله أكله على المؤمنين بهذه الآية للإثم في حال أكله، فهو تعمده الأكل لغير دفع الضرورة النازلة به، ولكن لمعصية الله وخلاف أمره فيما أمره به من ترك أكل ذلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم يعني: إلى ما حرم مما سمى في صدر هذه الآية: غير متجانف لاثم يقول: غير متعمد لاثم.
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: غير متجانف لاثم: غير متعمد لاثم، قال: إلى حرم الله ما حرم، رخص للمضطر إذا كان غير متعمد لاثم أن يأكله من جهد فمن بغى أو عدا أو خرج في معصية الله، فإنه محرم عليه أن يأكله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: غير متجانف لاثم: أي غير معترض لمعصية.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: غير متجانف لاثم: غير متعمد لاثم، غير متعرض.