قالوا: فظاهر هذا القول وصف الممدوح بأن فيه المثالب والمعايب، ومعلوم أن معناه: أنه لا مثالب فيه ولا معايب، لان من وصف رجلا بأن فيه معايب وإن وصف الذي فيه المعايب بالقلة، فإنما ذمه ولم يمدحه، ولكن ذلك على ما وصفنا من نفي جميع المعايب عنه. قالوا: فكذلك قوله: * (لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) * إنما معناه: لاتبعتم جميعكم الشيطان.
وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك عندي قول من قال: عنى باستثناء القليل من الإذاعة، وقال: معنى الكلام: وإذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف أذاعوا به إلا قليلا، ولو ردوه إلى الرسول.
وإنما قلنا: إن ذلك أولى بالصواب لأنه لا يخلو القول في ذلك من أحد الأقوال التي ذكرنا، وغير جائز أن يكون من قول: * (لاتبعتم الشيطان) * لان من تفضل الله عليه بفضله ورحمته فغير جائز أن يكون من تباع الشيطان، وغير جائز أن نحمل معاني كتاب الله على غير الأغلب المفهوم بالظاهر من الخطاب في كلام العرب، ولنا إلى حمل ذلك على الأغلب من كلام العرب سبيل فنوجهه إلى المعنى الذي وجهه إليه القائلون: معنى ذلك:
لاتبعتم الشيطان جميعا، ثم زعم أن قوله: * (إلا قليلا) * دليل على الإحاطة بالجميع. هذا مع خروجه من تأويل أهل التأويل لا وجه له، وكذلك لا وجه لتوجيه ذلك إلى الاستثناء من قوله: * (لعلمه الذين يستنبطونه منهم) * لان علم ذلك إذا رد إلى الرسول وإلى أولي الامر منهم، فبينه رسول الله (ص) وأولو الامر منهم بعد وضوحه لهم، استوى في علم ذلك كل مستنبط حقيقة، فلا وجه لاستثناء بعض المستنبطين منهم وخصوص بعضهم بعلمه مع استواء جميعهم في علمه. وإذ كان لا قول في ذلك إلا ما قلنا، ودخل هذه الأقوال الثلاثة ما بينا من الخلل، فبين أن الصحيح من القول في ذلك هو الرابع، وهو القول الذي قضينا له بالصواب من الاستثناء من الإذاعة. القول في تأويل قوله تعالى: * (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا) *..