فإذا برزوا من عنده بيتوا غير الذي قالوا. ومعنى الكلام: وإذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف أذاعوا به، إلا قليلا منهم. ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: * (ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان) * فانقطع الكلام، وقوله: * (إلا قليلا) * فهو في أول الآية يخبر عن المنافقين، قال: * (وإذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف أذاعوا به) * إلا قليلا، يعني بالقليل المؤمنين، يقول الحمد لله الذي أنزل الكتاب عدلا قيما، ولم يجعل له عوجا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: هذه الآية مقدمة ومؤخرة، إنما هي: أذاعوا به إلا قليلا منهم، ولولا فضل الله عليكم ورحمته لم ينج قليل ولا كثير.
وقال آخرون: بل ذلك استثناء من قوله: * (لاتبعتم الشيطان) * وقالوا: الذين استثنوا هم قوم لم يكونوا هموا بما كان الآخرون هموا به من اتباع الشيطان، فعرف الله الذين أنقذهم من ذلك موقع نعمته منهم، واستثنى الآخرين الذين لم يكن منهم في ذلك ما كان من الآخرين. ذكر من قال ذلك:
حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سلمان، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله: * (ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) * قال: هم أصحاب النبي (ص)، كانوا حدثوا أنفسهم بأمور من أمور الشيطان، إلا طائفة منهم.
وقال آخرون: معنى ذلك: ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان جميعا.
قالوا: وقوله: * (إلا قليلا) * خرج مخرج الاستثناء في اللفظ، وهو دليل على الجميع والإحاطة، وأنه لولا فضل الله عليهم ورحمته لم ينج أحد من الضلالة، فجعل قوله: * (إلا قليلا) * دليلا على الإحاطة. واستشهدوا على ذلك بقول الطرماح بن حكيم في مدح يزيد بن المهلب:
أشم كثير يدي النوال * قليل المثالب والقادحه