وهذه الآية مخرجها في الشفاعة عام والمراد بها خاص. وإنما معناه: من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة لأهل الكفر بالله، لان أهل ولاية الله والايمان به يشفع بعضهم لبعض. وقد بينا صحة ذلك بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وكان قتادة يقول في ذلك بما:
حدثنا به بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في قوله: * (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة) * قد علم الله أن ناسا يتحابون في الدنيا، ويشفع بعضهم لبعض، فأما يوم القيامة فلا خلة إلا خلة المتقين.
وأما قوله: * (والكافرون هم الظالمون) * فإنه يعني تعالى ذكره بذلك: والجاحدون لله المكذبون به وبرسله هم الظالمون. يقول: هم الواضعون جحودهم في غير موضعه، والفاعلون غير ما لهم فعله، والقائلون ما ليس لهم قوله.] وقد دللنا على معنى الظلم بشواهده فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته. وفي قوله تعالى ذكره في هذا الموضع:
* (والكافرون هم الظالمون) * دلالة واضحة على صحة ما قلناه، وأن قوله: * (ولا خلة ولا شفاعة) * إنما هو مراد به أهل الكفر، فلذلك أتبع قوله ذلك: * (والكافرون هم الظالمون) * فدل بذلك على أن معنى ذلك: حرمنا الكفار النصرة من الأخلاء، والشفاعة من الأولياء والأقرباء، ولم نكن لهم في فعلنا ذلك بهم ظالمين، إذ كان ذلك جزاء منا لما سلف منهم من الكفر بالله في الدنيا، بل الكافرون هم الظالمون أنفسهم بما أتوا من الأفعال التي أوجبوا لها العقوبة من ربهم.
فإن قال قائل: وكيف صرف الوعيد إلى الكفار والآية مبتدأة بذكر أهل الايمان؟ قيل له: إن الآية قد تقدمها ذكر صنفين من الناس: أحدهما أهل كفر، والآخر أهل إيمان، وذلك قوله: * (ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر) * ثم عقب الله تعالى ذكره الصنفين بما ذكرهم به، يحض أهل الايمان به على ما يقربهم إليه من النفقة في طاعته وفي جهاد أعدائه من أهل الكفر به قبل مجئ اليوم الذي وصف صفته وأخبر فيه عن حال أعدائه من أهل الكفر به، إذ كان قتال أهل الكفر به في معصيته ونفقتهم في الصد عن سبيله، فقال تعالى ذكره: * (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا) * أنتم * (مما رزقناكم) * في طاعتي، إذ كان أهل الكفر بي ينفقون في معصيتي، * (من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه) * فيدرك أهل الكفر فيه ابتياع ما فرطوا في ابتياعه في دنياهم، * (ولا خلة) * لهم يومئذ تنصرهم مني، ولا شافع لهم يشفع