يعني بذلك جل ثناؤه: إن الذين يستبدلون بتركهم عهد الله الذي عهد إليهم، ووصيته التي أوصاهم بها في الكتب التي أنزلها الله إلى أنبيائه باتباع محمد وتصديقه، والاقرار به، وما جاء به من عند الله وبأيمانهم الكاذبة التي يستحلون بها ما حرم الله عليهم من أموال الناس التي اؤتمنوا عليها ثمنا، يعني عوضا وبدلا خسيسا من عرض الدنيا وحطامها.
* (أولئك لا خلاق لهم في الآخرة) * يقول: فإن الذين يفعلون ذلك لا حظ لهم في خيرات الآخرة، ولا نصيب لهم من نعيم الجنة، وما أعد الله لأهلها فيها. دون غيرهم.
وقد بينا اختلاف أهل التأويل فيما مضى في معنى الخلاق، ودللنا على أولى أقوالهم في ذلك بالصواب بما فيه الكفاية.
وأما قوله: * (ولا يكلمهم الله) * فإنه يعني: ولا يكلمهم الله بما يسرهم ولا ينظر إليهم، يقول: ولا يعطف عليهم بخير مقتا من الله لهم كقول القائل لآخر: انظر إلي نظر الله إليك، بمعنى: تعطف علي تعطف الله عليك بخير ورحمة، وكما يقال للرجل: لا سمع الله لك دعاءك، يراد: لا استجاب الله لك، والله لا يخفى عليه خافية، وكما قال الشاعر:
دعوت الله حتى خفت أن لا يكون الله يسمع ما أقول وقوله * (ولا يزكيهم) * يعني: ولا يطهرهم من دنس ذنوبهم وكفرهم، * (ولهم عذاب أليم) * يعني: ولهم عذاب موجع.
واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله أنزلت هذه الآية، ومن عني بها؟ فقال بعضهم: نزلت في أحبار من أحبار اليهود. ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قال: نزلت هذه الآية: * (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) * في أبي رافع وكنانة بن أبي الحقيق وكعب بن الأشرف وحيي بن أخطب.