إليه، كما أتى الذين خرجوا من ديارهم فرارا من الموت، الذين قصصت عليكم قصتهم، فلم ينجهم فرارهم منه من نزوله بهم حين جاءهم أمري وحل بهم قضائي، ولا ضر المتخلفين وراءهم ما كانوا لم يحذروه إذ دافعت عنهم مناياهم، وصرفتها عن حوبائهم (1)، فقاتلوا في سبيل الله من أمرتكم بقتاله من أعدائي وأعداء ديني، فإن من حيي منكم فأنا أحييه، ومن قتل منكم فبقضائي كان قتله، ثم قال تعالى ذكره لهم: واعلموا أيها المؤمنون أن ربكم سميع لقول من يقول من منافقيكم لمن قتل منكم في سبيلي: لو أطاعونا فجلسوا في منازلهم ما قتلوا، عليهم بما تخفيه صدورهم من النفاق والكفر وقلة الشكر لنعمتي عليهم وآلائي لديهم في أنفسهم وأهليهم ولغير ذلك من أمورهم وأمور عبادي. يقول تعالى ذكره لعباده المؤمنين: فاشكروني أنتم بطاعتي فيما أمرتكم من جهاد عدوكم في سبيلي، وغير ذلك من أمري ونهيي، إذ كفر هؤلاء نعمي، واعلموا أن الله سميع لقولهم وعليهم بهم وبغيرهم وبما هم عليه مقيمون من الايمان والكفر والطاعة والمعصية محيط بذلك كله، حتى أجازي كلا بعمله، إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا.
ولا وجه لقول من زعم أن قوله: (وقاتلوا في سبيل الله) أمر من الله الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف بالقتال بعد ما أحياهم، لان قوله: (وقالوا في سبيل الله) لا يخلوا إن كان الامر على ما تأولوا من أحد أمور ثلاثة: إما أن يكون عطفا على قوله: (فقال لهم الله موتوا) وذلك من المحال أن يميتهم ويأمرهم وهمه موتى بالقتال في سبيله. أو يكون عطفا على قوله: (ثم أحياهم) وذلك أيضا مما لا معنى له، لان قوله: (وقاتلوا في سبيل الله أمر من الله بالقتال، وقوله: (ثم أحياهم) خبر عن فعل قد مضي، وغير فصيح العطف بخبر مستقبل على خبر ماض لو كانا جميعا خبرين لاختلاف معنييهما، فكيف عطف الامر على خبر ماض؟ أو يكون معناه: ثم أحياهم، وقال لهم: قاتلوا في سبيل الله، ثم أسقط القول، كما قال تعالى ذكره: (ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا) (2) بمعنى: يقولون: ربنا أبصرنا وسمعنا. وذلك أيضا إنما يجوز في الموضوع الذي يدل ظاهر الكلام على حاجته إليه ويفهم السامع أنه مراد به الكلام وإن لم يذكر، فأما في الأماكن التي لا دلالة على حاجة الكلام إليه، فلا وجه لدعوى مدع أنه مراد فيها. القوم في تأويل قوله تعالى: